توازن الإسلام في: الفرح والحزن
الإسلام دين سعادة وفرح وسرور.. يضمن للمسلم السعادة الأبدية في الآخرة، وعلى قدر طاعته وبذله تكون سعادته في الدنيا. قال تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)] النحل. وعلى حسب الإهمال والبعد عن الدين.. وإتباع الطرق الضالة .. تكون التعاسة والضنك .. قال تعالى: [فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)] طه. فهذه القاعدة الإسلامية لسعادة.
فالدنيا دار حقيرة مليئة بالأكدار والمصائب والمحن والمشاق والهموم.. والله تعالى كتب على ابن آدم الابتلاء ليمحصه ويختبره. فيبتليه بالضراء والسراء .. والشدة والرخاء.. حتى تنقى وتطهر تلك النفوس ..
فالإنسان إذا بين حالتين، فرح وسرور..أو هم وحزن وكرب!!
فجاء الإسلام ليوازن وينظم أحاسيس ومشاعر المسلم .. فدله على الطرق التي يتمتع فيها بالراحة وينعم بالرضا والقناعة.. سواء في الضراء والسراء.
فالإسلام يقر بفطرة الإنسان المجبولة على الحزن والبكاء.. ساعة الكرب والضيق، فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال دخلنا مع رسول الله على أبي سيف القين وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام فأخذ رسول الله إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه وأنت يا رسول الله فقال: ( يا بن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال : إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)خ/1 [ 1241 ]. وقال : (ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم وإن الميت يعذب ببكاء أهله)خ/1[ 1242 ].
فالمنهي عنه في الإسلام، التضجر والسخط من أقدار الله تعالى. قال : (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)خ/1 [ 1232 ]، وقال : (إنما الصبر عند الصدمة الأولى)خ/1[ 1223 ] وبين تعالى أن الصبر يتحقق، بالرضا والقناعة، والإيمان والعمل الصالح، واليقين والثقة في الله تعالى، واحتساب الأجر منه وحده، والدعاء والتذلل والخضوع إليه.. وعدم التضجر والسخط والشكوى لأحد غير الله تعالى.
فالمسلم لا يبالغ في الحزن والهم .. ما علم أن له رب قادر رحيم .. واثق بأن ما قدر الله تعالى له كله خير.. فيرضى ويسلم لله تعالى ولا يكترث ولا يشتكي لأحد إلا لله. قال : (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)خ/2 [ 5318 ]. وقد أمر الإسلام أيضا بالأخذ بالأسباب –التي تدفع وتزيل الهم والحزن- فلا يقعد ملوما محسورا ينتظر الفرج !! بل يسعى ويدبر ويعمل..
كذلك فإن فطرة الإنسان مجبولة على السعادة والسرور وقت الفرح..
فنظمها الإسلام.. بحيث لا يطغى ذالك الفرح والطرب عليه فيضله ويتمادى في الإفساد في الأرض، وأخذ حقوق الآخرين، وتضييع الأموال والنفس والكبر والتبختر، والمباهاة والمفاخرة.. طلبا لفرحة وسروره وراحته !! قال تعالى: [وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)] القصص
ويكون الفرح متزنا إذا قُرن بالشكر، ورد النعمة لله تعالى لا من كسب وتحصيل النفس، واستخدامها كذلك في ما يرضي الله تعالى.
والتوازن فيهما. قول الرسول : (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خير له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) م/2999
فيعيش المسلم راضي بقضاء الله تعالى، متفائلا بالفرج.. واثق من رحمه الله تعالى، فيعكس القلب المليء بالرضا والتفاؤل على الوجه ابتسامه لا تفارق الإنسان المسلم في الشدة والرخاء.
إن الإيمان الجاد الممثل للعمل الصالح هو الذي يعصم النفس البشرية من اليأس الكافر في الشدة، كما يعصمها من البطر الفاجر في الرخاء. وهو الذي يقيم القلب البشري على سواء في البأساء والنعماء، ويربطه بالله تعالى في كلتا الحالتين.. فلا يتهاوى ويتهافت تحت مطارق اليأس ولا ينتفخ ويتعالى عندما تغمره النعماء -فلا يبالغ في الحزن و الفرح وليكن متوازن في المشاعر والأحاسيس- فكلا حالي المؤمن خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن*. قال تعالى: [مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)] الحديد.
هذا هو الإسلام. يحب ويرضى بالفرح والسرور.. ويكره الحزن والهم.. فينظمهما؛ بالصبر والرضا والقناعة عند المصيبة، وبالشكر عند الفرح وتسخير النعم في مرضاة الله تعالى والتمتع بالحلال بحيث لا تلهيه عن طاعة الله عز وجل.. ولا تطغيه فيفسد ويضل في الأرض.
وبذلك النظام الرباني.. يضمن المسلم السعادة في الدنيا والآخرة.
__________________________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق