الخميس، أبريل 14، 2011

ذكرى


القسم الرابع: تذكرة عامة.
ذكرى
اذكر الموت هادم الذات    وتـجهز لمصرع هو آت
 قال e (( أكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت )) صحيح الجامع:1/1210. قال العلماء إن تذكر الموت يورث الزهد في الدار الفانية، والتوجه في كل لحظة إلى الدار الآخرة الباقية ويردع عن المعاصي ويلين القلب ويمنع الاغترار بالدنيا والركون إليها ويهون المصائب فيها .
قالت تعالى { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون } المؤمنون: 115.
    أخي الحبيب:
 مهما عشت فلابد لك من نهاية ورجعة لتُسأل عن كل ثانية ودقيقة وعن كل صغيرة وكبيرة عملتها في الدنيا ، فهل أعددت للسؤال جوابا هل تزودت بالأعمال الصالحة التي تنجيك في يوم كان مقداره ألف سنة؟ قال تعالى { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه } الإنشقاق: 6. فعلى حسب جهدك وتعبك ستلاقي جزاءك، وعلى حسب غفلتك ولهوك ستلاقي وزرك ، قال تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى } النجم: 39. فلا ظلم يوم القيامة ستجازى على كل عمل عملته قال تعالى { فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } الزلزلة: 7.
    أخي الحبيب:
أنت مازلت في الدنيا دار العمل وقد أنعم الله عليك بطول المقام فيها فاغتنم حياتك؛ اغتنمها قبل فوات الأوان، والله إن العمر دقائق معدودة وإن الأمر عظيم قال e (( اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك )) صحيح الجامع1/ 1077.
قد آن للغافل أن ينتبه من غفلته قبل هجوم الموت بمرارة كأسه وقبل سكون حركاته وخمود أنفاسه ورحلته إلى قبره وحسابه بين يدي ربه.
يا ابن آدم: إن الموت لا يعرف وقتا ولا عمرا قد يفاجئك في أي وقت وعلى أية حال فهل أنت مستعد لنزوله؟ خيل لنفسك يا بن آدم ساعة الرحيل إذا علمت أن هذه آخر دقائق لك في الدنيا وإذا بك تفكر أأتوب أم أستغفر أم أرد الظالم أم أوصي بصدقة أو أدل على حاجة .. أم أودّع. ما ذا أعمل!  كلها دقائق وأغادر الدنيا، أين أفر؟ أين أذهب؟ أين كنت يا ابن آدم طول هذا العمر لماذا وضعت نفسك في هذا المأزق الخطير؟
سفري بعيد وزادي لن يبلغنـي          وقوتي ضعفت والموت يطلبني
ولي بقايا ذنوب لست اعلمـها           الله يعلمـها في السر والعلن
ما أحلم الله عنـي حيث أمهلني          وقد تماديت في ذنبي ويسترني
دعني أمسح دموع لا انقطاع لها          فهل عسى عبرة منها تخلصني
وإذ بك وأنت على هذا الحال يفاجئك ملك الموت، قال تعالى { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت } المؤمنون: 99. انتهى كل شيء انتهى العمل انتهى مقامك في الدنيا سترحل إلى دار الجزاء، هل أنت مستعد للحساب؟ تحشرج الصدر وتتابعت الأنفاس { وجاءت سكرة الموت بالحق } وفاضت الروح إلى بارئها. أصبح الجسد خامدا ممدودا وأُخذ بك من فراشك إلى لوح مغتسلك فغسلك الغاسل وألبسك الأكفان وأوحش منك الأهل الجيران وبكى عليك الأصحاب والإخوان.
ضعوا خدي على لحدي ضعوه                   ومن عفر التراب فوسدوه
وشقـوا عنـه أكـفانا رقاقا                   وفي الرمس البعيدة فغيبوه
وناداه البـلا هـذا فـلان                    هلموا فانظروا هل تعرفوه
حبيـبـكم وجاركـم المفدى                  تـقادم عهده فنسيتمـوه
يا ابن آدم: أين الذي جمعته من الأموال وأعددته للشدائد والأهوال ولقد أصبح كفك منه عند الموت خالية صفرا، وبدّلت من بعد غناك وعزك ذلا وفقرا فكيف أصبحت يا رهين أوزاره ويا من سلب من أهله ودياره ما كان أخفى عليك سبيل الرشاد وأقل اهتمامك لحمل الزاد إلى سفرك البعيد وموقفك الصعب الشديد أو ما علمت يا مغرور أن لابد من الارتحال إلى يوم شديد الأهوال وليس ينفعك ثَمَّ قيل ولا قال بل يُعدّ عليك بين يدي الملك الديان ما بطشت اليدان ومشت القدمان ونطق به اللسان وعملت الجوارح والأركان، قال تعالى { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } الإسراء: 36. فإن رحمك فإلى الجنات وإن كانت الأخرى فإلى النيران.
لقد أجرى الله تعالى سنته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث عليه فمن عاش على طاعته مخلصا عمله لله تعالى ومتبعا لهدي رسوله e، فإنه بإذن الله تعالى يموت على طاعة وينوَّر له في قبره بل ويصبح قبره روضة من رياض الجنة جزاء كل لحظة عاشها في طاعة الله عز وجل .
فاحرص أيها المسلم على اغتنام أوقاتك بالأعمال الصالحة والتوبة النصوح واستعد للموت في كل وقت واحذر من الذنوب والمعاصي ومن تضييع الأوقات فهي سبب الهلاك؛ قال e (( إياكم ومحقرات الذنوب فإن مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه )) صحيح الجامع1/ 2686.
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذلك التقى
واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
فيجب علينا إصلاح الأعمال قبل اخترام النفوس وحضور الآجال قبل أن تقول النفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وطاعة ذي الجلال كيف نغتر بالدنيا وقد أمدنا الله بعمر يتذكر فيه من تذكر وجاءا النذير. قد علمنا أن الآجال تنطوي والإنسان في كل لحظة يرحل ويسير وا عجبا لنا نضيع أوقاتنا وهي أنفس ما لدينا باللهو والبطالات، وقد جعلنا الدنيا كدار قرار وإنما هي دار العمل والتزود واغتنام الخيرات، نعرض عن مولانا وقت الرخاء والسراء ونلجأ إليه حين تصيبنا الضراء أعرضنا عن ذكره، آثرنا رضا المخلوقين على رضاه أخفينا الذنوب عن خلقه وبها جاهرناه، اعتصمنا بغيره وتركناه، ألهتنا الدنيا عن ذكره فنسيناه .
ما ذا أقول لربي إذا ما قال لي يوما أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني، فما قولي له لمّا يعاتبني ويقصيني
**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق