الخميس، أبريل 14، 2011

النية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


النية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال تعالى { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين } فصلت: 33.
إن الدعوة إلى الله من أعظم الأعمال التي يجب أن يقوم بها المسلمون ومن أجلِّ القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، ومن أحسن الأقوال التي يتلفظ بها الإنسان، وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين، وأصل من الأصول التي بنى الله تعالى عليها الحياة، فما من أمّه إلا ولها مرسلين إلى أن جاءت أمتنا هذه أمة الحبيب e، فكان خير نبي مرسل، أدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده وأدى ما عليه على أكمل وجه فصلاة الله وسلامه عليه ثم خلف من بعده الصحابة رضوان الله عليهم فتحملوا تلك الأمانة العظيمة ونشروا الإسلام في جميع أنحاء الأرض وكانوا في دعوتهم سائرين على منهج قائدهم وقدوتهم محمد e فبذلك سادوا الأرض وفتحوا البلاد فمدحهم الله تعالى وأثنى عليهم فقال عز وجل: { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } آل عمران: 110. فمن أراد الفلاح والنجاة فليسر على ما سار عليه محمد e وأصحابه رضوان الله عليهم قال تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } آل عمران: 104.
لكن طريق الدعوة إلى الله تعالى طريق مليء بالأشواك ولكي تؤتي الدعوة ثمارها الطيبة لابد من اتباع أسس معينة للسير في هذا الطريق:
أولا: العلم، لابد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما ولا بد من العلم بحال المأمور، وحال المنهي كما قال عمر بن عبد العزيز: من عبد الله بغير علم كان يفسد أكثر مما يصلح، فإذا علم العبد أن إنكاره  لمنكر معين يترتب عليه منكر أكبر فإنه لا يجوز إنكاره وإذا ترتب عليه إزالة معروف أكبر منه لا يجوز الإنكار. كذلك ينبغي قياس المصالح والمفاسد المترتبة، قبل أن نأمر بالمعروف أو ننهى عن المنكر.
ثانيا: الرفق، قال e (( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله )) البخاري:1/375،مسلم:2165. وقال e (( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به )) رواه مسلم:1828. وقال e (( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين )) رواه البخاري:1/278، وكان أصحب ابن مسعود رضي الله عنه إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون لهم: مهلا رحمكم الله مهلا رحمكم الله، قال تعالى { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن } النحل: 125.
ثالثا: الصبر، قال تعالى { واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا } المزمل: 10. وقال لقمان الحكيم لابنه { يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك } لقمان: 17.
فلابد من هذه الثلاثة: العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده ولابد أن يكون الداعية المسلم متميز عن الآخرين بأخلاقه ورحمته وهيئته ومعاملاته.. فهذه الصفات تورث المحبة في قلوب الآخرين، وتجعلها تتقبل أوامر الله عز وجل وتنتهي عن نواهيه بقلوب راضية.
-       لماذا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؟
* النية الأولى:
1-  طاعة لأمر الله تعالى، قال عز وجل { أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } النحل: 125. وقال تعالى { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } آل عمران: 104.  ففي الآية بيان الإيجاب في قوله تعالى: (( ولتكن )) فهي أمر وفيها بيان أنه فرض كفاية فإذا قامت بها أمة سقط الفرض عن الآخرين ولكن الله تعالى خص القائمين به بالفلاح.
2-  طاعة لأمر الرسول e حيث قال (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )) رواه مسلم:49
3-  اقتداء بالرسول e، قال تعالى لنبيه e: { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } يوسف: 108.
4-  لنشر الإسلام فلولا الدعوة إلى الله تعالى لما وصل إلينا الإسلام وما عرفنا شيئا عنه.
5-  لنصيحة المسلمين، وإنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لعقوبة الله تعالى وغضبه .
6-  غيرة على انتهاك محارم الله تعالى.
7-  لتجميع المسلمين على كلمة واحده.
8-  طمعا في هداية الناس.
9-  تأدية لحق العلم الذي تعلمناه، قال e (( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه ... وما ذا عمل فيما علم؟ )) صحيح الجامع2/ 7299.
* النية الثانية: للفوز بأجر الأمر بالمعروف والنهي عن النكر..
1-     سبب للفلاح قال تعالى { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } آل عمران: 104.
2-    شعار الإيمان قال تعالى { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن النكر } التوبة: 71.
3-        سبيل النجاة ٌقال تعالى: { فلما نسو ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء } الأعراف: 165.
4-         تعاون على البر والتقوى قال تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } المائدة: 2.
5-     يوجب السلامة قال e (( إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن نكر فقد سلم )) رواه مسلم:1854
6-         سبب لتحصيل الصدقات قال e (( وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة )) مسلم:720
7-    تأدية لحق الطريق قال e (( حق الطريق : غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن النكر )) البخاري:5/81،مسلم:2121.
8-    سبب لكسب الحسنات التي لا نهاية لها قال تعالى{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون } فصلت: 8. أي: غير مقطوع، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجعلك تكسب حسنات لا حصر لها فأنت إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر أحدا من المسلمين وعمل بما أمرته به أخذت مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء، ثم إذا أمر هذا المأمور بالمعروف ونهى عن المنكر شخصا آخر فعمل، فلك أجر الأول والثاني دون أن ينقص من أجورهم شيئا ، وهكذا إلى يوم القيامة فأكثِر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكثر حسناتك وتنمو. قال e (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا )) رواه مسلم:2674، وقال e (( من دل على خير فله مثل أجر فاعله )) صحيح الجامع2/ 6239.
-       ومن صور الأمر بالمعروف:
1-     تعليم كتاب الله تعالى قال e (( بلغوا عني ولو آية )) البخاري:6/461. وقال e (( من علم آية من كتاب الله عز وجل كان له ثوابها ما تليت )) السلسلة الصحيحة:3/323،1335. وقال e (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) رواه البخاري:9/66
2-    تبليغ حديث الرسول e حيث يقول (( نضر الله امرءاً سمع منا شيئا فبلَّغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع )) صحيح الجامع2/ 6764.
3-    الدعوة إلى الإسلام، قال e (( لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)) البخاري:7/58،مسلم:2406، وحمر النعم: الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، واعلم أخي المسلم أنه إذا من الله عليك واهتدى أحد على يديك فستكون جميع أعماله في ميزان حسناتك.
4-     تعليم الجاهل قال e (( ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه )) البخاري:4054
5-         تذكير الغافل قال تعالى { وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } الذاريات: 55.
6-     نشر الكتب والشرائط والمطويات والمصاحف قال e (( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علما نشره وولدا صالحا تركه، ومصحفا ورثه ..)) صحيح الجامع1/ 2231.
7-    تعليم الناس الخير قال e (( إن الله عز وجل وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير )) صحيح الجامع2/ 4213. وقال e (( من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاج تاما حجته )) صحيح الترغيب والترهيب:82. إن تعليم الناس الخير لا يختص بشيء معين فأبواب الخير كثيرة جدا فعلى المدرس مثلا أن يحتسب الأجر في عمله كله في تعليم الحروف والأرقام والآداب والقراءة والكتابة والخبرات وغيرها من الأعمال فعندما يكبر الطفل المتعلم للحروف والقراءة والكتابة، ويحفظ القرآن ويتفقه في الدين ويعلم الآخرين فكل ذلك يكون في ميزان حسنات المدرس لأنه السبب في تعليمه الحروف والقراءة. فلولا هذا التعليم لما عرف من الدين شيئا، فمجال التدريس مجال واسع للأمر بالمعروف والنهي عن النكر مع جميع الطلاب والمدرسين وكذلك أيضا في كل المجالات.
* النية الثالثة: لعدم الوقوع في الوعيد المترتب على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن النكر..
1-     سبب للعنة الله تعالى، قال عز وجل { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } المائدة: 78.
2-    يوجب عذاب الله تعالى قال عز وجل { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } الأعراف: 165. بئيس: أي شديد.
3-    يمنع استجابة الدعاء وينزل العذاب، قال e (( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن النكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم تدعونه فلا يستجيب لكم )) صحيح الجامع2/ 7070.
4-     يعم عقاب الله تعالى بالناس قال e (( إن الناس إذا رأو المنكر ولا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه )) صحيح الجامع1/ 1974.
5-     صفة من صفات المنافقين؛ قال تعالى { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف } التوبة: 67. 
6-     فيه كتمان للعلم قال e (( من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار )) صحيح الجامع2/ 6284.
7-        نفي الإيمان عمن من لم ينكر بإحدى الطرق الثلاثة المذكورة في الحديث؛ قال e (( فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل )) صحيح الجامع2/ 5790. 
**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق