السبت، أبريل 16، 2011

توازن الإسلام في العبادات


توازن الإسلام في : العبادات


لقد خلق الله تعالى الإنسان لمهمة وهدف محدد، لا تستقيم حياه الإنسان؛ إلا إذا حقق هذا الهدف وتلك الغاية، قال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)] الذاريات.
وعندما يتخلى الإنسان أو يجهل أو يتناسى مهمته في الحياة؛ فسيتخبط في ظلمات لا نهاية لها. ومهما بلغ في السعي وراء طموحات وغايات الدنيا.. فلن يدرك حقيقته وقيمته إلا في عبادة الله تعالى.
فنحن نعلم أن النحلة -مثلا- مهمتها التنقل بين الأزهار، واستنشاق رحيقها ثم صنع العسل فما ذا لو رأينها تطير بعيدا في الفضاء وتردد بين الكواكب والقمار ثم.. تخرج لنا الهواء !!
لا توجد أي قيمة لتلك النحلة الضائعة في الكون حتى ترجع لمهمتها التي خلقت من أجلها. فكيف بالإنسان المكرم صاحب العقل ؟!



*********
الإسلام دين يسر وسهوله وسعادة ورحمة..لا دين تشدد ومشقة.. واضع قوانينه وأحكامه رب البشر، القائل سبحانه في كتابه: [أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)] الملك.
فالله سبحانه لم يشرع الشرائع لتشديد والعقوبة! بل شرعها للرحمة والهداية والسعادة وإنقاذ البشرية من ظلمات الجهل والضلال.. إلى نور الإيمان، وعدالة الإسلام، والسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة. قال تعالى: [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)] إبراهيم. قال ربعي بن عامر–رضي الله عنه- : " نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"
إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكا؛ فإما تجرد لها، وإما انسلاخ منها، وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع والدنيا، ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة ! كلا.. إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب، ويخلص لها الحب، وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة، وهي المحركة والدافعة، فإذا تم لها هذا.. فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة، في غير إسراف ولا مخيلة وأن يكون مستعدا لنبذها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة*.
وفي نقاط مجملة ومختصرة ، نسرد أهم الطرق الموصلة إلى الإسلام الصحيح:
1- اليسر: قال تعالى: [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ .. (185)] البقرة. قال : (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)217/1، وعن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: (ما خير رسول الله  بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فان كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله  لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله ) خ2[ 5775 ] قال النبي : (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ) خ/1 [ 69 ] قال النبي : (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم) خ/1[ 2391 ] قال النبي : ( إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) خ:/1-39 ومعنى الحديث: الغدوة: أول النهار، والروحة: آخر النهار، والدلجة: آخر الليل. وهذا تمثيل، ومعناه: استعينوا على طاعة الله عز وجل بالأعمال في وقت نشاطكم، وفراغ قلوبكم، بحيث تستلذون العبادة ولا تسأمون، وتبلغون مقصودكم، كما أن المسافر الحاذق يسير في هذه الأوقات ويستريح هو ودابته في غيرها، فيصل المقصود بغير تعب. والله أعلم. 
2- نفي المشقة والتشدد والتكلف: قال تعالى: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ..(78)] الحج، قال : (هلك المتنطعون) قالها ثلاثا.مسلم:/2670. والمتنطعون: المتعمقون، المتشددون في غير مواضع التشديد. وعن أنس رضي الله عنه قال كُنا عند عمر فقال نهينا عن التكلف - خ2[ 6863 ]، ورأى النبي  شيخا يهادى بين ابنيه فقال : "ما بال هذا قالوا نذر أن يمشي قال إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني وأمره أن يركب ) خ/1[ 1766 ]
3- أخذ الدين خطوة خطوة.. –وعدم أخذه جمله- وأن لا ينتقل إلى الخطوة التي تليها حتى يعمل بالأولى لضمان الاستمرار.فشرائع الإسلام كثيرة ومتعددة، لذلك أمر الإسلام أن يبدأ المسلم بالفرض ثم بالأفضلية من الأعمال، ثم الذي يليه والأولى فالأولى..
عن بن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبي  بعث معاذا رضي الله تعالى عنه إلى اليمن فقال: ( ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)خ/1 [ 1331 ]، وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: "إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا "/2 خ[ 4707 ]، قال رسول الله : ( إن الله قال: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ) خ2[ 6137 ] وهذه الطريقة أفضل الطرق للاستمرار والمداومة على طاعة الله عز وجل. فالمشي على خطوة واحدة ثابتة، خير وأقوم وأثبت من المشي على خطوات كثيرة غير ثابتة.
4- المحافظة والمداومة على العبادة: قال : (أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل) خ2[ 5523 ]
5- التخفيف والاقتصاد –التوسط- في العبادة: فعقيدة أهل السنة والجماعة في العبادات: "الوسطية في كل اعتقاد وعمل" قال تعالى: [وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)] النساء. قال : (عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل حتى تملوا) خ 1 / 1100 ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله تعالى عنهما قال لي رسول الله : ( يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت: بلى يا رسول الله، قال فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله.) خ/1[ 1874 ] ، وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي  يسألون عن عبادة النبي  فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي  قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله  فقال: ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) خ/2 [4776 وعن أبي وائل قال كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم قال:" أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي  يتخولنا بها مخافة السآمة علينا) خ/1[ 70 ] السآمة: الملل. وعن أبي مسعود الأنصاري قال: " قال رجل يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان فما رأيت النبي  في موعظة أشد غضبا من يومئذ فقال: ( أيها الناس إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة)خ/1[ 90 ]، وفي رواية: (وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)خ/1 [ 671 ]،  وعن أنس رضي الله عنه قال: " كان النبي  يوجز الصلاة ويكملها" خ/1[ 674 ]، وعن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: " إن كان رسول الله  ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم" خ2[ 1076 ]
-يسقط التكليف عن العاجز عن أداء بعض شرائع الدين، إذا لم يستطع أدائها بجميع الطرق، قال تعالى: [لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا .. (286)] البقرة. قال النبي : ( دعوني ما تركتكم إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) خ2[ 6858 ] 
-يبيح الإسلام المحظورات عند الضرورات الملحة. قال تعالى: [إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)] البقرة.
- يؤجر المسلم على كل عمل يعمله صغيرا كان أو كبيرا. قال تعالى: [وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)]المزمل. قال رسول الله : (إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى )خ2 [ 6311 ] قال رسول الله : (يقول الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف)خ2[ 7062 ] قال : (إن المسلم يؤجر في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى فيه) صحيح الجامع2/ 3986. 
-أخذ الدين من جميع جوانبه، وترك الاقتصار على جوانب معينة. فالله تعالى أنزل الدين ليؤخذ كله فلا يترك للهوى .. فيأخذ بعضه ويترك بعضه! قال تعالى: [أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)] البقرة.
-تنوع العبادات فالعبادات في الإسلام كثيرة جدا، من صلاة وصوم وحج وزكاه وصدقة، وبذل المعروف للناس، وبر الوالدين وكفاله الأيتام، والخلق الحسن مع الخلق، وصلة الأرحام والجيران، وإعطاء الهدية، والدعوة إلى الله تعالى، وتعلم العلم .... وقد عرف العلماء العبادة، وهي: اسم جامع كل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. وهذا التنوع من رحمه وعظمة الإسلام، حتى لا يمل المسلم ويشعر بالفتور والكسل، ليعبد الله تعالى وهو محبا للعمل. وبالنية الصالحة تتحول جميع العادات إلى عبادات.
 -يحرم الإسلام كل ضار، قال : (لا ضرر ولا ضرار) صحيح الجامع2/ 7517. ويبيح كل نافع، قال : (احرص على ما ينفعك) صحيح الجامع2/ 665
ولا بد للمسلم أن يلتزم الصبر في عبادة الله تعالى. قال تعالى: [رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)] مريم. وأن يحسن العمل، فالله تعالى لا يرضى عن كثرة العمل فحسب إنما يرضى عن العمل الحسن. قال تعالى: [الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)] الملك. 
إن التكاليف التي يفرضها الإسلام على المسلم كلها من الفطرة ولتصحيح الفطرة، لا تتجاوز الطاقة، ولا تتجاهل طبيعة الإنسان وتركيبه، ولا تهمل طاقة واحدة من طاقاته إلا وتلبيها في يسر وفي سماحة و رخاء.. ومن ثم لا يحار ولا يقلق في مواجهه تكاليفه، يحمل منها ما يطيق حمله، ويمضي في الطريق إلى الله تعالى في طمأنينة وروح وسلام*..
ومعرفة المؤمن بأن غاية الوجود الإنسان هي العبادة، وأنه مخلوق ليعبد الله تعالى، من شأنها- ولا شك- أن ترفع شعوره وضميره، وترفع نشاطه وعمله، فهو يريد العبادة بنشاطه وعمله، وكسبه وإنفاقه، وهو يريد العبادة بالخلافة في الأرض وتحقيق منهج الله تعالى فيها. فأولى به أن لا يستعجل المراحل، وألا يتعسف الطريق، وألا يركب الصعب من الأمور، فهو بالغ هدفه من العبادة بالنية الخالصة والعمل الدائب في حدود طاقته. ومن شأنه كذلك.. ألا يستبيه القلق  في أي مرحله من مراحل الطريق فهو يعبد الله تعالى في كل خطوة، وهو يحقق غاية وجودة في كل خطره، وهو يرتقي صاعدا إلى الله تعالى، في كل نشاط وفي كل مجال*.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق