السبت، أبريل 16، 2011

توازن الإسلام في المال


توازن الإسلام في: المال


المال نعمه من نعم الله تعالى التي أنعم بها على عبادة، ليتمتعوا ويشكروه على نعمه التي لا تعد ولا تحصى..
ونظرة الإسلام للمال ليست مقتصرة على الفرد فحسب، بل إن المال مال الله تعالى أعطاه الله للإنسان ليصلح به حياته على الأرض، وليكون عونا له على طاعة الله عز وجل وعمارة الأرض.
فإذا ما انفق المسلم ماله بتوازن وحسن تصرف حقق مقصود الله تعالى في الأرض، وعاشت الخليقة في أمن وأمان، وسعه ورغد من العيش، أما إذا اختل توازن تصريف المال.. اختلت كذلك الأرض، وانتشرت الفوضى، وعاث الشر والفساد..
فعندما حرم الإسلام السرقة والنهب، وكره التسول وسؤال الناس.. فتح باب العمل، وأوجب زكاة الأموال، وهي صدقة تأخذ من أغنيائهم- بطيب نفس- فترد على فقرائهم، كذلك أرشد الله تعالى عبادة المؤمنين وحثهم على الصدقة بطيب نفس، وأجزل لهم على ذلك خير الجزاء. وبهذه الطرق الصحيحة تجتمع الأمة، وتصفوا النفوس، ويعيش المجتمع في أمن وراحة، لا يحمل حقدا ولا غلا ولا حسدا..



بخلاف القوانين والنظم التي وضعها البشر للبشر!! وجميعها تدعوا لظلم ونشر البغضاء والحقد، واحتكار الأموال، بل وللسرقة والنهب، فجاء الإسلام لينظم ويقسم المال بعدل واتزان.. فأوجب الزكاة، وحث على العمل للجميع، بل وألزم الدول الإسلامية بأن تتكفل الفقراء والمساكين.. وتجعل لهم حظا من المال.. بدون ظلم لأحد ولا اعتداء على مال الذي يسعى ويجوب البلاد ويكد ويتعب ومساواته بالذين يجلسون على الأسرة لتصل إليهم الأموال بيسر وسهوله!!
***********
والمال.. أداه للخير كما يمكن أن يكون آداه لشر. إذا لم يتم صرفه بالحكمة والعقل. لذلك بين الإسلام أفضل الطرق لإنفاق الأموال وهو طريق الوسطية والتوازن.
فلا يجوز للمسلم أن يمسك ماله ويمنع الخير عن الناس، كما لا يجوز له أن ينفق جميع ماله ويعيش بدون مال! قال تعالى: [وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)] الإسراء. ولا يجوز للمسلم إعطاء المال لسفهاء والحمقى حتى لا يهدر ويضيع المال بدون حق. قال تعالى: [وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)] النساء، كذلك طمئن الله تعالى عبادة بأن الله الواحد الرازق وعنده خزائن السماوات والأرض، ينفق كيف يشاء ويعطي من يشاء ويمنع عن من يشاء. وكل ذلك بالعدل والحكمة والرحمة.. فهو وحده المتكفل بأرزاق جميع العباد، فلا يهتم الإنسان ولا يقلق.. فرزقه مكتوب له ولن ليصل لأحد غيره، قال تعالى: [إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)] الإسراء. فلا يسعى الإنسان لتحصيل المال من الأوجه المحرمة أو قتل الأنفس خوفا من الفقر والعيلة. قال تعالى: [وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)] الإسراء.
وخط التوازن في ذلك. قول الله تعالى: [وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)] سورة الفرقان. أي: يلتزموا الوسطية والاتزان في الإنفاق، بلا إسراف فيضيع ويهدر المال في غير حقه، وبلا إمساك وبخل، فيحجب مال الله تعالى وحقه عن خلقة ولكن.. الوسط بين هذين الطرفين، هو توازن الإسلام في المال.
*************************
وقد أمر الله تعالى عبادة بالزكاة، وهي ركن من أركان الإسلام، وكما هو معلوم أن المجتمع تختلف درجات حالته المادية فمنهم الفقير والمسكين وذا الحاجة والعاجز.. فجاء الإسلام لينظم حق لؤلئك ليعيشوا حياة شريفة مطمئنة.
فالإسلام دين مساواة و أخوة .. الفقير أخٌ للغني، ولا فضل لأحد منهم على الآخر ولا ينبغي أبدا أن يذل الفقير حتى يحصل على المال !!!
من هنا.. كان مبدأ الزكاة، والزكاة: أموال تأخذ من الغني وتعطى للفقير، وهي تطهير وحفظ لمال الغني، كما أنها شكر لله تعالى على تلك الأموال.. ولابد أن تعطى عن طيب نفس.. قال تعالى: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)] التوبة. وقال تعالى: [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)] التوبة. وعن بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله  لما بعث معاذا رضي الله تعالى عنه على اليمن قال: ( إنك تقدم على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله. فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا .فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس)خ/1[ 1389 ]. وعن بن عمر رضى الله تعالى عنهما قال: " فرض رسول الله  زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة"خ/1 [ 1432 ] قال : ( من كان معه فضل ظهر أي مركوب زائد عن الحاجة فليعد به – أي يتصدق به – على من لا ظهر له ، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له). قال الراوي : فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل - أي زائد عن الحاجة. م: 1728.  
كذلك .. رغب الله تعالى عبادة وحثهم على إنفاق المال صدقة لوجه الكريم، بلا انتظار مقابل من أي إنسان.. وبدون المن على المعطي. قال تعالى: [الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)]البقرة. قال رسول الله : (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل)خ/2[ 6993 ]. وبين الله تعالى، أن الإنفاق يكون من أحب وأفضل المال، قال تعالى: [لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)] آل عمران. والأفضل أن يبدأ المسلم بصدقته أهلة وأرحامه.. قال تعالى: [يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)] البقرة، قال : ( خير الصدقة ما كان على ظهر غنى وابدأ بمن تعول)خ/2 [ 5041 ]، وذُكر في قصة –زوجة عبد الله ابن مسعود..فقال النبي : (صدق بن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم)خ/1[ 1393 ]. 
والصدقة تكون بتوسط واتزان.. فلا يخرج كل ماله.. كما لا ينبغي له أن يمسك جميع ماله. فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: "كان رسول الله  يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأ تصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. فقلت بالشطر فقال لا، ثم قال: (الثلث والثلث كبير أو كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك)خ/1[ 1233 ] وعن عبد الله بن كعب قال سمعت كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول يا رسول الله  إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله قال: ( أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك )خ/2[ 2606 ].
كما حرم الإسلام إضاعة المال.. وصرفة في غير الأوجه الشرعية، قال النبي : (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال) خ/1[ 2277 ]، فالكل مسئول عن المال الذي أعطاه الله إياه، فيجب على كل صاحب مال، أن يتقى الله تعالى في ماله ولا يضيعه في التافهات من الأمور.. أو الإفساد في الأرض.. قال : (لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم) صحيح الجامع:2/7299، قال تعالى: [ وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)] الإسراء، 
ولا تثريب على من أحب فضل الله الكثير.. والزيادة في الأموال.. ما دام يصرفها في أوجهتها المشروعة، قال رسول الله : (لا تحاسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فهو يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل، ورجل آتاه مالا فهو ينفقه في حقه فيقول: لو أوتيت مثل ما أوتي عملت فيه مثل ما يعمل)خ/2[ 7090 ]، وقد بوب البخاري في كتابه: "باب قول النبي  هذا المال خضرة حلوة" وقال الله تعالى { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا }  قال عمر:" اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه"خ/2،  قال : (إن هذا المال حلوة من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع)خ/2[ 6063 ] قال : (  وإن هذا المال خضرة حلوة فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل)خ/1[ 1396 ]، قال : (إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا)خ/2[ 6078 ].
ويرغب الإسلام في القناعة.. والرضا بما أعطانا الله تعالى. قال : (ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس)خ/2[ 6081 ]، وقال : (قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه ) (م). وألا ينظر لمن ازدادوا عليه في المال والنعم نظرة حقد وحسد وطمع.. قال رسول الله : (إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه)خ/2 [ 6125 ] 
كما ينبغي للإنسان أن يزهد في تلك الأموال الزائلة التي سيسأل عنها يوم القيامة.. فمهما بلغ من غنى وثروة.. فلن يرضى أبدا بما معه.. ولا يزال يتطلع للأكثر والأفضل.. ويبخل.. ويطمع.. ويتعلق بالدنيا.. بل ويكون عبدا للمال.. فيبذل كل طاقته للحصول عليه دون النظر لدين والقيم والأخلاق.. وليس كل ذلك من سمات المؤمن الحق.. قال رسول الله : (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض)خ/2[ 6071 ]، وقال النبي : ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)خ/2 [ 6072 ] وقال : (المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء)خ/2[ 5078 ] وقال : (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة)خ/2[ 5110 ]، وقال : ( إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع اليد العليا خير من اليد السفلى)خ/1 [ 1403 ] وقال : ( أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم)خ/2[ 2988 ].
***************************
وتوازن الإسلام في المال.. يكون بالحصول عليه من الحلال.. وإنفاقه في الحلال.. بدون إسراف ولا تبذير.. وبدون بخل وإمساك.. وإعطاء حق الله تعالى فيه، والإنفاق في سبيله.. مع ترك جزء من المال.. فلا ينفق كل ماله.. ولا يمسكه جميعه. والقناعة بما أعطى الله تعالى وعدم التعلق الشديد بالمال والدنيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق