السبت، أبريل 16، 2011

توازن الإسلام في العفو والإنتصار


توازن الإسلام في: العفو والانتصار


العفو خلق من أعظم الأخلاق التي جاء بها الإسلام، فقد حث القرآن والسنة على أفضلية العفو، فبه تربط المجتمعات، وتصفى القلوب، وتُطفئ نار الغل والحقد، ويعم الحب والسلام والرحمة.. لذلك كان من أحب الأعمال إلى الله تعالى. قال : ( إن الله تعالى عفو يحب العفو ) صحيح الجامع1/ 1779. وجعله الله من صفات المتقين، قال تعالى: [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)] آل عمران.
فالعفو درجة أعلى وأعظم من كظم الغيظ، حيث يمنع القلب أن يحمل العداوة والبغضاء على المعتدين، قال تعالى: [وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)] فصلت.



لذلك كان العفو من أهم العلاقات بين المسلمين، فحث الإسلام عن العفو عن القاتل والظالم.. بل كان الرسول  يعفو أيضا عن الكفار.. فعفا عن الأسرى في بعض الحروب، وعفا عن الكفار الذين آذوه وأخرجوه وحاربوه!! قد قال تعالى في الآية الكريمة السابقة: [والعافين عن الناس] أي جميع الناس دون النظر لنوع والجنس والديانات!
والعفو سمه الأنبياء والصالحين في كل زمان ومكان، ولا يكون العفو إلا عند المقدرة على الانتصار.. فعندما قابل نبي الله يوسف عليه السلام، إخوته الذين خطفوه في صغره، وحرموه من والديه، والقوه في البئر، ليصبح رقا يباع ويشترى ثم يسجن ويعرض للفتن-التي عصمه الله تعالى منها-  ويعيش بعيدا عن أهله ويقاسي الكثير من الابتلاءات.. بسببهم.! فلما قابل إخوته أولائك وبعد أن صار ملكا على خزائن الأرض وقادرا على البطش والنكال بهم.. قال لهم: [قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)] يوسف، لقد رد يوسف عليه السلام بكلمات قليلة، لكنها تحمل إيمانا راسخا ويقينا جازما إنه لا ينتظر الأجر إلا من الله تعالى وحده، قال تعالى: [وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)] الشورى، هذا هو خط توازن العفو في الإسلام. أن نعفو مع كامل  القدرة على الانتقام.
جزاء العفو:
وإذا كنا نريد أن نمضي في ذكر فضائل العفو فهي كثيرة جدا منها..
1- عفو الله تعالى. قال تعالى: [وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)]النور. وقال تعالى: [إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)] النساء.
2- حب الله تعالى. قال : (إن الله تعالى عفو يحب العفو) صحيح الجامع1/1779
3- ضمان الجنة. قال تعالى: [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)]آل عمران.
4- رضا الله تعالى. قال: (ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملئ الله قلبه رضا يوم القيامة) صحيح الجامع1/176
5- العز في الدنيا والآخرة. قال : (وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزا) م:2588.
6-الراحة والطمأنينة والسعادة.. يقول الشاعر:
يا عظيم المن يا رب السماء *** مدني بالعفو عن من ظلما
واجعلاً مني تقياً مؤمنا *** يقتفي الهادي الحبيب الأعظما
عيـــش من يعفو هنيٌ طيـــبُ *** قلبهُ من كل شــــرٍ سلما
يــــا قلوب زينتها رحمـــةٌ *** ليت قلبي فيك بالعفو انتمى
لو درى المبــحر في أحقاده ***ما الذي في عفوه ما انتقما
راحــــة للقلب عـــز ٌرفعةٌ *** ومن الأسقـــام ِ للجسمِ حما
إنما العــــفوُ سبيلٌ لرضـا *** أيُ عفـــــو ٍجر يوماً ندمـــا
أســـــعدُ الناسِ وأنداهم يدا *** من يلاقي سؤهم مبتسمـــــا
فالإسلام يشجع ويحث على العفو.. ويجازي عليه بأفضل وأعظم الجزاء.. ومن جهة أخرى، يقر الإسلام ويدعو للانتصار وأخذ الحقوق الواجبة. فالعفو في الإسلام لا يفتح الباب للأعداء والظالمين والمفسدين في الأرض.. أن يتمادوا في ظلمهم وفسادهم..!!
إن الإسلام دين عزيز.. يعطي لكافة أبناءة العزة والرفعة.. ولا يقبل لهم الذل والمهانة ا، فالمسلم عزيز بإسلامه وإيمانه وقيمه وأخلاقه.. وحق لكل مسلم أن يرتفع على جميع البشر لأنه: مسلم.
"وقد بوب البخاري في كتابه: باب الانتصار من الظالم" لقوله جل ذكره : [لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148)] النساء، وقال تعالى: [وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)] الشورى. قال إبراهيم: "كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا" خ/1
فمن هنا توازن الإسلام. قال تعالى: [فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)]البقرة، والاعتداء على المعتدي يكون بالمثل لا بالزيادة، وقال تعالى: [وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)]الشورى–هنا يقر الإسلام أن الانتصار على الظالمين أمر لاشك فيه- ثم يبن تعالى أن الإثم والعقاب على الظالمين.. قال تعالى: [إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)] الشورى .لكن الإسلام يرغب في العفو والصلح بقدر التوسط، قال تعالى: [وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)] الشورى.
ولكن إذا كثر الظلم وتوالت الاعتداءات .. فالإسلام يفضل ويسمح بالانتصار.. ولا يقبل الذل والاستضعاف .. وبهذا التوازن يعيش المسلم في عزة بأخذ حقه من ظالمة دون زيادة .
فتوازن الإسلام يحث على التحلي بالعفو والصفح.. ويقر بالانتصار على الظالمين . قال : (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)خ/2[ 5763 ] فهو دين الفطرة يقر بطبيعة البشر المجبولة على حب الانتصار، وكراهية الذل والمهانة.. ويهذب تلك النفس، ويربيها على الصبر والعفو .. لتقوم على مجتمع آمن مترابط متراحم ..  فلا يكون لنفس حظا .. إلا انتظار الأجر من الله تعالى وحده.
قال تعالى: [وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)]النحل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق