السبت، أبريل 16، 2011

توازن الإسلام في الزهد


توازن الإسلام في: الزهد


الإسلام دين عظيم يحب معالي الأمور ويكره فسافسها، فهو دين همه وعلو لا يرضى بالدناءة والتوافه من أمور الدنيا. فهو ينظر إلى نعيم الدنيا أنها نعيم غرور ونقص وخلل لذلك ترفع عنها، وزهد في متاعها الزائل فما عند الله خير وأبقى والعاقبة للمتقين.
والإنسان المؤمن كبير في تصوراته واعتقاداته.. كبير في طموحاته وأعماله.. كبير على الدنيا الصغيرة المحدودة. فهو يتطلع لحياة كاملة أبدية لا فيها حزن ولا نصب ولا هم ولا تعب.. فيسعى ليقضى حاجاته الضرورية في الدنيا، دار الممر ليصل إلى دار الاستقرار*.
فالدنيا.. دار مليئة بالتعب والمشقة والهموم والآلام وكلنا حتما سيتجرع من كأسها المر، ويتذوق  حرارتها المؤلمة!
ولما كان الإنسان المؤمن عاقل وكبير في تصوراته نظر لدنيا نظرة تختلف تماما عن نظرة طلابها لها..



إنها دار فانية.. فمهما أخذنا منها فلن نحصل إلا على أقل القليل ومهما سعدنا في أيامها فبعدها المر الأكيد ومهما أعطتنا من خيرها فإلى زوال محتوم.
والإنسان إذا عاش يتطلع إليها، وينتظر السعادة والمتاع فيها فسيعيش أتعس وأصعب حياة لأنه ربط سعادته بدار لا أمان لها! فمن ذا الذي طابت له الدنيا بأكملها!
كذلك.. سيعيش في صراع وحقد وحسد دائم مع طلابها، فهي صغيرة ومحدودة لا تسع الجميع فمهما كبرت في أعين طلابها فهي في الحقيقة صغيرة عند أصحاب العقول الكبيرة!
إن أي إنسان يعيش على هذه الأرض يطلب السعادة والعاقل من يبحث أولا عن مصدر السعادة، ثم يحدد الطرق الموصلة إليها ليسعى للوصل لها، أما إذا لم يدرك أين مصدر السعادة فسيتقلب يمينا ويسرة يبحث عنها فإن وجد السعادة مرة فستهرب منه مرات عديدة.
لذلك.. كان من محاسن دين الإسلام "الزهد" وهو ليس من الواجبات إنما لمن أراد أن تكمل سعادته وتكبر..
فيزهد المسلم في الأمور الصغيرة التافهة.. ويتعلق بالله القادر ليتحقق له كل ما يريد، ويترك التعلق بالبشر والدنيا فيرتفع عن الذل للمخلوقين ليصل إلى العزة بتعلقه لله الواحد الذي خلقه.
والزهد في الإسلام يختلف كل الاختلاف، عن الزهد في الديانات والشرائع الأخرى. فالزهد في الإسلام لا يعني الرهبانية والتبتل والانقطاع عن الدنيا والناس! وترك كل متع الحياة ! كلا.. الإسلام دين وسطية وتوازن وسعادة ومتاع ولنا في ذلك قدوتنا الأولى والزاهد الأول رسولنا  قال: (إني أتزوج النساء، وأنام وأقوم وأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني) متفق عليه: خ/9-89، م/1401. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم رهبانا في الليل، فرسانا في النهار..
فالزهد في الإسلام.. لا يضر البدن والروح، والأسرة والمجتمع.. بل الزهد الحقيقي أن يحافظ المسلم على كل نافع ومفيد.. ويترك ما يضره ومالا ينفعه.
قال : (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس) صحيح الجامع:1/922
والزهد في اللغة: هو الأمر القليل الذي لا يؤبه له، وسعر زهيد، إذا كان قليلا ليس مثله مما يلتفت إليه، فالزهد في الدنيا ألا تكون الدنيا في القلب، إنما تكون في اليد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -يرحمه الله تعالى- وهو أصح ما قيل في الزهد؛ لصحة اجتماعه مع ما جاء في الأحاديث، وكذلك ما دلت الآيات، وما كان عليه حال الصحابة وحال السلف الصالح، رضوان الله عليهم- قال:" الزهد: هو ترك ما لا ينفع في الآخرة"
فمن استعان بشيء من المال أو اللهو المباح على قوته في الحق، فلا يخرج عن وصف الزهاد؛ لأنه لم يفعل ما لا ينفعه في الآخرة.
********************
قال تعالى : [وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)] طه. وقال : (من كانت الآخرة همة، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه؛ جعل الله فقره بين عينية، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له) صحيح الجامع:2/26510
فمن أراد حب الله تعالى وحب الناس، وأراد السعادة في الدنيا والآخرة، والغنى والراحة والاطمئنان.. فليلتزم بزهد الإسلام.
______________________________________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق