الخميس، أبريل 14، 2011

نداء


نداء
  أيتها النفس التقية النقية، لمَ آثرت الحياة الدنيا على الآخرة الباقية، ألم تعلمي أنها دار فانية، مليئة بالأكدار والأعمال القاسية، فهلا تزودت ليوم كان مقداره ألف سنة يوم تضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، اعلمي أن زهدك في الدنيا وإقبالك على الآخرة قد يبلغك الأماني المتناهية بأن تحظى بحب الله تعالى وحب الناس من كل ناحية؛ قال e (( إزهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس )) صحيح الجامع1/ 922. كما أن من ثمرات الزهد أن يجمع الله لك فضائل عظيمة؛ قال e (( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له )) صحيح الجامع2/ 26510. واعلمي أيتها النفس أن الله تعالى خلقك ليختبرك ما أنت صانعة في هذه الحياة الدنية، قال e (( إن الدنيا حلوه خضرة وإن الله  مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء )) رواه مسلم: 2742. فأري ربك منك أقوالا وفعالا رضيه ، لتفوزي بالفردوس والمقامات العلية.
  أيتها النفس الزكية اعلمي أنك مسؤولة وواقفة بين يدي رب البشرية فاشغلي أوقاتك بالأعمال الصالحة والمفيدة لتحظي برضى رب البرية فإنك إن لم تشغليها بخير شغلتك هي بالشر، قال e (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس  الصحة والفراغ )) صحيح الجامع2/ 6778. فأعمارنا ساعات ولحظات منتهية وبعدها سنسأل عن كل دقيقة وثانية وعن كل ما قدمناه في هذه الحياة الدنيّة قال e (( لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه  وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وما ذا عمل فيما علم )) صحيح الجامع2/ 7299.
  إذا كنت أعلم يقينا أن عمري كساعة ** فلم لا أكون ضنينا بها وأجعلها في إصلاح وطاعة .
  أيتها النفس الأبية، صاحبة الهمة العلية، لم تركت الدعوة إلى الله وانشغلت بالأعمال الدنيوية ألم تعلمي أنها أشرف الأعمال ومهمة الأنبياء والمرسلين وقائد البشرية وهي الغاية الكبرى لنشر الإسلام وإنقاذ الناس من ظلمة الجاهلية وفيها اقتداء بصاحب الرسالة المحمدية وكسب لكنوز الحسنات الغير منتهية، فاصدعي بالحق بين الناس، ولا تخشي الأقوال والأفعال الردية، واعلمي أن أفضل ما يدعى به هو القرآن والسنة النبوية.
بـقلبي الدين مأسـور وأعمالي تتـرجمـه      فلا خيرا بإيمان إذا ما عشت تكتمه
فما في القلب لي وحدي وليس سواي يعلمه       فإن أظهرته عملا فإن الناس تفهمه
فيا رباه ألـهمني بـحـقك ما أقـدمـه      وانفع أمتي نفعا بحسن الركب تختمه
      أيتها النفس المغرورة ذات الأعمال الكثيرة ،لم تغترين بعملك وتظنين أنك بلغت القمة المطلوبة، إحذري الغرور فربما تكون أعمالك من الأعمال المثبورة عند نشر الصحف والكتب المنثورة، عندها لا ينجو أحد بعمله ،قال e (( لو أن رجلا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما في مرضات الله تعالى لحقره يوم القيامة )) صحيح الجامع2/ 5249. وقال e (( لا يدخل أحد منكم عمله الجنة ولا يجير من النار، ولا أنا إلا برحمة الله )) صحيح الجامع2/ 7667. فحقري عملك مهما كان لتكوني دائما فرحة مسرورة.
  أيتها النفس القوية المخدوعة بالعطية، كيف حاربتي خالق الكون صاحب القوة المتناهية الأبدية، أعندك جنود أقوى من جنود رب البشرية الذي قال تعالى في كتابه { وما يعلم جنود ربك  إلا هو } المدثر: 31. لم تتعاطين الربا بالصبح والعشية، ولم تراعي مراقبة العظيم صاحب العطية الذي ينعم عليك في كل وقت وفي كل ضيق وكربة... ألا تستحي، وتحذري محاربة الجبار ذو البطش الشديد هل هذا هو شكر هذه النعم المأتية!!!
  أيتها النفس العزيزة القانعة بما آتاك الله تعالى بكل رضا اعلمي أنك إن كنت تطلبين ما يرضيك فكل شيء في الدنيا لا يكفيك وإن كنت تطلبين ما يكفيك فأقل شيء في الدنيا يرضيك واعلمي أن سعادتك مبنية على الرضا والقناعة برزق رب البرية ، قال e (( طوبى لمن هدي للإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به )) صحيح الجامع2/ 3931.
هي القناعة لا تبغي بها بدلا     فيـها النعيم وفيـها راحة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها     هل راح منها بغير القطن والكفن
  أيتها النفس المسكينة ، الغافلة عن الآخرة لم تعصين الله سرا وعلانية وتجاهرين بالمعاصي كأنك منتقمة متعدية أكان بينك وبينه عداوة جعلتك تخالفين أمره وتتركين نهيه، لم كل هذا العناد ألم ترى كيف ينعم عليك من مجيئك إلى الدنيا إلى يوم الميعاد، ويحفّك برحمته ونعمه وغفرانه أنت وجميع العباد، فماذا عليك لو التزمت أوامره واجتنبت نواهيه!!  ليس لك جزاء إلا السعادة والفوز في الدنيا والآخرة.
  أيتها النفس الخائفة المرتعدة الراجفة لم تخافين من الأقدار النازلة وتحملين هموم الأيام القادمة أليست من صنع أحكم الحاكمين منزل الابتلاءات والمصائب المؤلمة والبشريات والمسرات المفرحة فلا بد أن تعتصمي به وتكوني مؤمنة ولا تسألي غيره ولا تستعيني بسواه تعرفي عليه في الرخاء يعرفك في الشدة والعناء، ارضي بأقداره وأفعاله تكوني أسعد الناس؛ قال e (( احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجمتعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك  بشي إلا قد كتبه الله عليك جفت الأقلام ورفعت الصحف )) صحيح الجامع2/7957. وقال e (( تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا )) السلسلة الصحيحة:5/497.
  أيتها النفس الحزينة المكلومة.. يا من تكالبت عليها الذنوب والأوزار ولم تجد لها حيلة وحاولت الخلاص منها فلم تنجح أي وسيلة؛ باب التوبة مفتوح يناديك :
كـفى يا نفس ما كان         كفاك هوى وعصيانا
كفاك ففي الحشا صوت         من الإشـفاق نادانا
كأنـي ما سـمعت ولا       رأيت الهـدى إذ بانا
كأنـي صخرة فمتـى          يلين الصـخر إيمانا
أيا نـفسي خبا نفسـي         بضيق الصدر أحزانا
أصيح بتـوبتـي ندما          كفى يا نفس ما كانا
الكل يناديك، يناديك رب العزة ويقول { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنب جميعا إنه هو الغفور الرحيم . وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون } الزمر: 53.
يناديك المصطفى e ويقول: (( إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )) رواه مسلم: 2760.
أناديك وأقول:
قدم لنفسك توبة مرجوة     قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر به غلق النفوس فإنها    ذخر وغنم للمنيـب المـحسن
 **

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق