التوازن في: الدعوة إلى الإسلام
قال تعالى: [وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)] فصلت. إن الدعوة إلى الله من أعظم الأعمال التي يجب أن يقوم بها المسلمون ومن أجلِّ القربات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، ومن أحسن الأقوال التي يتلفظ بها الإنسان، وهي وظيفة الأنبياء والمرسلين، وأصل من الأصول التي بنى الله تعالى عليها الحياة، فما من أمّه إلا ولها مرسلين إلى أن جاءت أمتنا هذه أمة الحبيب ، فكان خير نبي مرسل، أدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده وأدى ما عليه على أكمل وجه فصلاة الله وسلامه عليه، ثم خلف من بعده الصحابة رضوان الله عليهم فتحملوا تلك الأمانة العظيمة ونشروا الإسلام في جميع أنحاء الأرض وكانوا في دعوتهم سائرين على منهج قائدهم وقدوتهم محمد ، فبذلك سادوا الأرض وفتحوا البلاد فمدحهم الله تعالى وأثنى عليهم فقال عز وجل: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110)] آل عمران. فمن أراد الفلاح والنجاة فليسر على ما سار عليه محمد ، وأصحابه رضوان الله عليهم. قال تعالى: [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)] آل عمران.
لكن طريق الدعوة إلى الله تعالى طريق يحتاج إلى حكمة وحلم وصبر.. وتوازن أيضا. ولكي تؤتي الدعوة ثمارها الطيبة لابد من إتباع أسس معينة للسير في هذا الطريق.
أولا: العلم. قال تعالى: [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)] يوسف. لابد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما ولا بد من العلم بحال المأمور، وحال المنهي كما قال عمر بن عبد العزيز: من عبد الله بغير علم كان يفسد أكثر مما يصلح. فإذا علم العبد أن إنكاره لمنكر معين يترتب عليه منكر أكبر فإنه لا يجوز إنكاره وإذا ترتب عليه إزالة معروف أكبر منه لا يجوز الإنكار. كذلك ينبغي قياس المصالح والمفاسد المترتبة قبل أن نأمر بالمعروف أو ننهى عن المنكر.
ثانيا: الرفق. قال : ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) خ:1/375، مسلم: 2165 وقال : ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به) رواه مسلم/1828 وقال : ( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) خ:1/278 وكان أصحب ابن مسعود رضي الله عنه إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون لهم: مهلا رحمكم الله مهلا رحمكم الله.
ثالثا: الصبر. قال تعالى على لسان لقمان الحكيم لابنه: [يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)] لقمان.
فلابد من هذه الثلاثة: العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده ولابد أن يكون الداعية المسلم متميز عن الآخرين بأخلاقه ورحمته وهيئته ومعاملاته.. فهذه الصفات تورث المحبة في قلوب الآخرين، وتجعلها تتقبل أوامر الله عز وجل وتنتهي عن نواهيه بقلوب راضية.
فالدعوة إلى الله واجب كل مسلم "بما معه من علم" قال :(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم:49.ولا بد أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)] النحل، وأن يعمل لداعي إلى الله تعالى بما يدعو إليه، قال تعالى: [أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)] البقرة. وترك دعوة الذي لا يستفيد من الموعظة، قال تعالى: [فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)] الأعلى. فعلى المسلم البلاغ فقط، وترك الأمر والنتائج إلى الله تعالى، فلا إكراه في الدين. ولا حساب لأحد إلا على رب العالمين.
والغاية من دعوة الناس. نشر الإسلام فلولا الدعوة إلى الله تعالى لما وصل إلينا الإسلام وما عرفنا شيئا عنه، ولنصيحة المسلمين، وإنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لعقوبة الله وغضبه، ولإشاعة العدل ومحو الظلم والفساد في الأرض، وخوفا على إخواننا من العقوبة في الدنيا والآخرة، ورجاء الرحمة والهداية والسعادة لهم. ولمحاولة تجميع المسلمين على كلمة واحده. وطمعا في هداية الناس. كذلك غيرة على انتهاك محارم الله تعالى. وتأدية لحق العلم الذي تعلمناه، قال : ( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه ... وما ذا عمل فيما علم؟ ) صحيح الجامع2/ 7299.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق