السبت، أبريل 16، 2011

توازن الإسلام في الجهاد


توازن الإسلام في: الجهاد


لقد خلق الله تعالى الإنسان لعبادته، ولتحقيق عمارة الأرض، والخلافة فيها. والقيام بالعدل والحق، والسعي على صلاحها ونمائها.
والإنسان أهم عنصر على وجه الأرض، وبفقدانه يفقد كل ذلك الخير والصلاح. لذلك حافظ الإسلام على النفس البشرية أشد المحافظة، ووصى واهتم بها غاية الاهتمام، وسعى بكل جهوده لنشر السلام الذي يؤمن حياة الإنسان، وشدد وعظم قتل النفس البشرية، وبالغ في ذلك أشد المبالغة والزجر، ورتب أقبح وأشنع الوزر لمن أرد قتل الأنفس!
فمن تسبب أو أعان على قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أنقذ أو أعان على حياة إنسان فكأنما أحيا الناس جميعا. قال تعالى: [مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)] المائدة.
وأول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الأنفس والأرواح. قال  : (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) متفق عليه:خ/6864،م/1678.



ولنفس المسلمة قيمتها العظيمة في الإسلام دون الأنفس الأخرى، فالنفس المسلمة تعيش كي تعبد الله تعالى، وتحقق الصلاح والخير في الأرض، وتلك هي منزلتها الرفيعة التي خلقها الله من أجلها. لذلك فإن حرمة النفس المسلمة عظيمة جدا عند الله. قال تعالى: [وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)] النساء. قال : (كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) السلسلة الصحيحة: 511. ولم يرتب الإسلام عقوبة أشد من ذلك.
وقد أقر الإسلام أن كل إنسان يعيش على الأرض، يحب الحياة ويكره الموت، لأنه دين الفطرة والتوازن.. بل لقد حذر الإسلام أصحاب العقول المريضة التافهة ممن يفضلون الموت ساعة الكرب والضيق قتل أنفسهم، قال : (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)خ/2 [ 5442 ].وقال : (ولا يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا وأما مسيئا فلعله أن يستعتب)خ/ 2 [ 5349 ]
ولما كان الإنسان هو العنصر الأساسي لنشر الخير في الأرض، نظم الإسلام حدودا، ووضع قوانينا لحياة الإنسان، يلتزم بها ليحقق الخير الذي أراده الله تعالى. فإذا تخلى الإنسان عن تلك القوانين والنظم التي وضعها الله تعالى، كان ما يفسد أكثر مما يصلح. بل قد يكون بذرة فساد وطغيان في الأرض، فعندئذ لا تحتاجه الأرض، وتتخلى عنه فإنما هو خلق ليسعى لصلاحها ونشر الخير فيها.. لا للفساد والعدوان عليها. فعندما يتصادم إنسان يريد الخير والصلاح للأرض، وإنسان آخر يريد الإفساد والطغيان في الأرض لابد للخير أن يصمد ويقاوم الشر ويرد الكيد والاعتداء والطغيان ولو كان الثمن أن يدفع حياته التي عظمها وشرفها الله من أجل تحقيق الأمن والسلام والإيمان في الأرض! ومن ذلك المنطلق.. فرض الجهاد.
والهدف من الجهاد تطهير الأرض من الباطل والشر ونشر الحق والعدل والخير والعزة والحرية للإنسان الذي يذل تحت أيدي السلاطين والطغيان قال تعالى: [وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)] الأنفال. 
إن الحروب التي جرت بين المسلمين وبين أعدائهم لم تكن أهدافها- بالنسبة للمسلمين- مصادرة للأموال، وإبادة الأرواح، وإفناء المسلمين، أو إكراه العدو على اعتناق الإسلام، وإنما كان الهدف الوحيد الذي يهدفه المسلمون من هذه الحروب "هو الحرية الكاملة لناس" في العقيدة والدين " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لا يحيل بينهم وبين ما يريدون أي قوة من القوات. 
فالمسلون في عهد النبي  لم يكونوا بادئين بالحروب وإنما بدأتها قريش، قال تعالى: [أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)]التوبة. وقال : (لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية)خ/2[ 6810 ]
فالإسلام دين رحمة وتسامح ووفاء وخلق الحسن.. وأعداء الإسلام  يعلمون هذه الحقائق علم يقين. يقول غتافلوين: لم تعرف الأمة فاتحين راحمين متسامحين كالمسلمين، ولم تعرف الأمم ديناً سمحاً كدينهم"
************************
نظم الإسلام فريضة الجهاد بكل توازن وعدل ووضع لها شروطا أهمها:
1- الدعوة للإسلام قبل بدء الحرب. قال الرسول  : (لا تقاتل قوماً حتى تدعوهم)السلسلة الصحيحة:6/293. إلا إذا بدئوا بالاعتداء فالواجب الدفاع عن النفس.
2- الوفاء بالوعد، والإعلام بنبذ العهد: قال تعالى: [وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) ]الأنفال. قال تعالى: [إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)] التوبة.
3- الصلح خير: قال تعالى: [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)] الأنفال. وهذا أكبر دليل أن هدف المسلمين من الجهاد الحرية وإشاعة السلم والحق والعدل..
4- تحريم قتل النساء والأطفال والشيوخ: عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال "نهى رسول الله  عن قتل النساء والصبيان" خ/2[ 2852 ]
5- تحريم الظلم والاعتداء: قال تعالى: [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)] البقرة.
6- الاستعداد والتوكل على الله تعالى: قال تعالى: [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) ] الأنفال. 
إن غاية المسلمين أن ينتصروا ويعلوا كلمة الله تعالى وينشروا الحق والعدل في الأرض.لا الفساد والتعذيب واغتصاب النساء وإهانة الشيوخ والأطفال! فهل يستطيع أحدا أن يثبت أن المجاهدين المسلمين اغتصبوا امرأة واحدة أو عذبوا طفلا!
-ولقد وصى أبو بكر الصديق-رضي الله عنه- الخليفة الأول للمسلمين أول بعثة حربية في عهده، (بقيادة: أسامة بن زيد)، قال: "لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدورا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة ولا تقطعوا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة وسوف تمرون على قوم فرَّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرَّغوا أنفسهم.له.
-وكان الخليفة عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يوصي قائده على الجيش فيقول: "بسم الله على عون الله أمضوا بتأييد الله ولكم النصر بلزوم الحرب والصبر، قاتلوا ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ولا تجبنوا عند اللقاء، ولا تمثلوا عند القدرة ولا تسرفوا عند الظهور ولا تقتلوا هرمًا ولا امرأة ولا وليدًا وتوقوا قتلهم إذا التقى الفرسان وعند جمة النبضات وفي سن الغارات نزهو الجهاد عن عرض الدنيا وابشروا بالربح في البيع الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم."
هذه الوصايا في آداب الجهاد (الحرب) أسمى وأكمل وأبر وأرحم من كل ما يحتوي عليه تشريع البشر ولا يدانيها ما وصلت إليه قواعد القانون الدولي الحديث عامة والقانون الدولي الإنساني خاصة، ولا حتى آمال الفقهاء والكتاب.
**
الإسلام دين عزة. لا يرضى أبدا أن يذل أبناءه ويتعرضوا للاعتداء ولابد إذا بدء أعداء الإسلام بالاعتداء أن يسعى المسلمين بكل ما أوتوا من قوة لرد كيد هم وليس هذا في الإسلام فحسب؛ بل في كل الديانات والقوانين الوضعية فهل عندما يجاهد المسلمون الأعداء  يقال عنهم إرهابيون ؟! 
قال تعالى: [وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)] التوبة، قال تعالى: [فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)] البقرة. 
***
حقوق الأسرى في دين الإسلام "دين الرحمة" :
إن ديننا الإسلامي هو دين الرحمة للبشرية جمعاء، كما أن رسول الله  هو الرحمة العامة لهذه الإنسانية، مصداقاً لقول الله تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)] الأنبياء. فلم تغفل شريعتنا الغراء أحكام الأسرى، بل بينتها وفصلتها استناداً لما ورد في كتاب الله تعالى من آيات، وما ورد في السنة النبوية الشريفة والسيرة العطرة. 
كيفية معاملة الأسرى:
في الوقت الذي كانت فيه الحروب الجاهلية لا تعرف أيسر قواعد أخلاقيات الحرب، ظهر النبي  بمبادئه العسكرية؛ ليشرِّع للعالمين تصوراً شاملاً لحقوق الأسرى في الإسلام.
وفي هذا العصر الحديث، الذي نرى فيه المنظمات الدولية قد شرَّعت بنوداً نظرية – غير مفعَّلة ولا مطبَّقة – لحقوق الأسرى، كاتفاقية جنيف، بشأن معاملة أسرى الحرب، ورعايتهم جسدياً ونفسياً. 
وخير دليل على عدم تطبيق هذه الاتفاقيات، ما فعله الصرب بمسلمي البوسنة والهرسك وكوسوفا، من مذابح يندى لها جبين البشرية، ولقد أنشأ الصرب معسكراتٍ أُعدت خصيصا لاغتصاب المسلمات. وما يفعله الصهاينة في فلسطين، وما فعله الأمريكان في العراق وأفغانستان والسودان والصومال من فساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل، ومذابح جماعية للأسرى والضعفاء، وهتكٍ للأعراض الطاهرة، في معتقلات – سرية أو علنية - لا تعرف أي معنى لكرامة الإنسان.
في حين نرى رسولنا  يشرِّع قبل هذه المنظمات بمئات السنين حقوقاً شاملة وجامعة للأسرى، أضف إلى ذلك أن النبي  لم يجعل هذه الحقوق بنوداً نظرية بعيدة عن واقع الحروب – كما هو الحال في عصرنا - بل جعلها منهجاً عملياً، وطبقها بنفسه في غزواته، وطبقها الصحابة والتابعون - من بعدهم - في السرايا والمعارك الإسلامية. 
وهذه هي حقوق الأسرى في الإسلام:
أولا: الأسير في يد الدولة: 
اتّفق الفقهاء أنّ أسير الحرب ليس لآسره يد عليه ولا حقّ له في التصرّف فيه، وعليه بعد الأسر أن يسلمه إلى الأمير ليقضي فيه بما يرى. وليس له إلاّ أن يشدّ وثاقه لمنعه من الهرب. وقد كان الرسول يمن على بعض الأسرى، ويقتل بعضهم ويفادي بعضهم بالمال، وبعضهم بأسرى المسلمين، وقد فعل ذلك كله بحسب المصلحة، كما قال ابن القيم في (زاد المعاد).
وليس لواحد من الغزاة أن يقتل أسيره بنفسه؛ إلا برأي الأمير اتفاقًا، إلا إذا خيف ضرره. 
ثانيا: الرفق بالأسرى والإحسان إليهم وإكرامهم: 
فقد أذاع النبي ، بيانًا عامًا صار قاعدة كلية في التعامل مع الأسرى، قوله: (استوصوا بالأسارى خيراً) رواه الطبراني في الصغير والكبير وإسناده حسن . فأصبح لزامًا على كل مسلم أن يعمم هذه الخيرية في كل مجالات معاملات الأسرى، سواء كانت خيرية مادية أو معنوية، وهي من جوامع كلم النبي .
ثالثا: توفير الطعام والشراب والكساء لهم: 
قال تعالى: [وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8]سورة الإنسان. (لما كان يوم بدر، أتي بالأسارى، وأتي بالعباس، ولم يكن عليه ثوب، فنظر النبي  له قميصا، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه –أي يناسب حجمه- فكساه النبي  إياه )خ/3008
رابعا: تهيئة مأوى للأسير.. 
خامسا: عدم تعذيب الأسير وإكراهه:
وكيف يحض الإسلام على إطعامه وسقيه ويوفر له المأوى المناسب والكسوة المناسبة ويرتِّب الجزاء الكبير على ذلك ثم يستبيح تعذيبه ويهدر كرامته؟!
يحرم الإسلام تعذيب الأسرى، ويرفض أهانتهم، ويقرر عدم إهمالهم،  وتحريم تعذيب الأسرى يشمل عدم تعذيب الجرحى منهم بطريق أولى.
سادسا: محادثته والرد عليه وتلبية ما يريد:
أن يرد على استفساراته في حدود سياسة الدولة، وأن يلبوا رغباته في حدود الشرع؛ لأن تركه وإهماله بعدم الرد عليه نوع من الإهانة وإهدار الكرامة التي نهى عنها الإسلام في معاملة الأسير، وحوارات النبي  مع الأسرى معروفة ومشهورة.
سابعا/ إعادة الأسير:
تظل رعاية الإسلام للأسير قائمة منذ وقوعه أسيرًا في أيدي المسلمين إطعامًا وإسقاءً وكسوةً ومأوىً ومعاملةً طيبةً؛ حتى يعود إلى قومه ويتسلمه أهله.
بعد هذا البيان لكيفية معاملة الإسلام لأسرى الحرب أترك للقارئ الكريم باب التفكر في صفحة الواقع الدامية؛ ليقارن ذلك بما فعلته أمريكا وروسيا.. في أسرى المجاهدين المسلمين في كل مكان وصدق الله القائل..[ إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)] الكهف.
الأحكام النهائية للأسرى:
1- القتل لمجرمي الحرب، وقد أمر النبي r بدفن قتلى المشركين، والنهي عن المثلى، ولم يترك جثثهم نهباً لوحوش الأرض وسباع الطير،-كما حدث في العراق وأفغانستان- 
2- الفداء "الفدية" لمن يرجى منهم الخير، أو بمقابلة الأسرى المسلمين، عند الأعداء.
3- المن "إطلاق سراحهم"، وكان موقف النبي r من أعدائه المنهزمين كريماً للغاية ونضرب مثلاً واحداً لهذا المعنى الإنساني النبيل :
لقد كانت آخر حرب للنبي r مع قريش هي التي انتهت بفتح مكة للإسلام والمسلمين ثم التقى النبي r مع هؤلاء الذين آذوه وعادوه واضطهدوا أصحابه وساءوهم سوء العذاب حتى  أن منهم من مات تحت وطأة العذاب وضراوة الفتنة ... قال لهم: " ما تظنون أني فاعل بكم؟" قالوا : خيراً، أخُ كريم وابن أخٍ كريم! قال لهم: " لا أقول لكم إلا ما قاله أخي يوسف [قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)]يوسف "اذهبوا فأنتم الطلقاء" خ/ 3/345
إن هذا الخبر يعطينا صورة رائعة للمقدرة الفائقة عند المسلمين الصادقين على الجمع بين القوة في الحرب, والتمثيل العالي لمكارم الأخلاق حتى مع المحاربين.
هذا قليل من كثير ونقطة من محيط الإسلام الواسع حتى يتبين الرشد من الغي والحق من الضلال وحضارتنا من حضارتهم، وليفهم كل ذي عقل ولب.
*******************************
ومن الجهل الفادح، بل والظلم البين أن يتهم هذا الدين، بالتطرف والإرهاب والوحشية.. بل الغرب والكفار هم رواد الإرهاب الحقيقي في الأرض. قوم يدمرون البيوت، ويبيدون الحضارات، ويعتدون على الأعراض، ويسفكون الدماء، ويمزقون الأشلاء.. لا رحموا طفلا ولا شيخا.. أين الحقوق الإنسانية !! أين الحرية!! أين المساواة.. لطالما واروا سوءاتهم  بتلك اللافتات البراقة الخادعة "باسم حقوق الإنسان- والحرية.." 
الإسلام لا يقر أبدا بالإرهاب، بل إن السلام والأمان مأخوذ من الإسلام، والإسلام بريء من كل قول أو عمل.. ينافي الأحكام التي وضعها، فالتفجير مثلا.. ينافي تماما نظم وأحكام الجهاد من الدعوة قبل الحرب، وعدم قتل النساء والأطفال. وتعمد قتل النفس، والغاية الأولى من الجهاد، ليس الاستشهاد! فالله تعالى لم يخلق الإنسان ليُميت نفسه! إنما ليكون أداة لنشر الحق والعدل، وإذا قتل أثناء دفاعه عن الحق وليس بإرادة منه فهو الشهيد حقا. بل يجب عليه أن يقاوم ويجاهد نفسه على انتصار الحق مع بقاء حياته فإنما الغاية الأولى من الجهاد أن تكون كلمة الله هي العليا..
جاء رجل إلى النبي ، فقال: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: ( من قاتل لتكون كلمة الله هي الله العليا فهو في سبيل الله)خ/[ 7020 ]
إن أعداء الدين جميعا .. يعلمون جيداً أن سبب غلبة الإسلام ليس التفوق المادي وكثرة السلاح والجيوش والعدد، وإنما السبب هي القيم والأخلاق التي يتمتع بها المجتمع الإسلامي، ويعرفون أن منبع هذا الفيض رسول الله  الذي هو المثل الأعلى لهذه القيم، كما عرفوا أن القضاء على هذا الدين وأهله لا يمكن عن طريق استخدام السلاح فقط، فقرروا أن يشنوا حرباً دعائية واسعة ضد الدين من ناحية الأخلاق، وأن يجعلوا شخصية الرسول  أول هدف لهذه الدعاية الكاذبة الخاطئة‏، فشوهوا صورة الإسلام ورسول الإسلام بالإرهاب والوحشية والقسوة وشوهوا قادة الإسلام، بل وكل من يمد لدين الإسلام بصله! ووصفوهم جميعا بالتخلف والرجوع والشدة والغلظة.. فحاربوا المسلمين بتلك الادعاءات من ناحية، ومن ناحية أخرى بجلب الفساد والشر والفواحش لهم لإفسادهم ليردوهم عن دينهم. قال تعالى: [وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)] البقرة.
******************
ولقد رغب الله تعالى المؤمنين في الجهاد –الذي وضعه الإسلام الصحيح- وحثهم عليه، ليعلوا كلمة الله تعالى في الأرض، ورتب لهم على ذلك أفضل الجزاء والأجر، فحين يعلم المؤمن عظمة الأجر الذي ينتظره في الحياة الأبدية الأخرى، وقبل ذلك رضا الله تعالى، يتخلى المؤمن عن كل محبوب له في الدنيا ليحقق ما يحبه الله تعالى ثم لتقر عينه بنشر الإسلام الذي هو لحمه ودمه..
قال تعالى: [وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)]آل عمران. قال : (تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة)خ/2 [ 7025 ] 
************************
كذلك فتح الله الرحيم باب التوبة لأعداء الدين. قال تعالى:  [قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)] الأنفال. قال : (إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا) السلسلة الصحيحة: 53.
************************
فيجب على الأمة الإسلامية أن تستخدم كل طاقاتها وإمكانياتها وأموالها وقدراتها.. لخدمة هذا الدين فما أحوج العالم ليتعرف على الإسلام الحقيقي المتوازن.. والكل سيسأل بين يدي الله جلا وعلا بحسب قدراته واستطاعته. عبروا ولو بكلمة.. عبروا عن انتمائكم لهذا الدين بوقتكم وجهدكم ..
قال تعالى: [إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)]غافر.
______________________________________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق