العزة للإسلام
قال تعالى: [مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)] فاطر.
العزة الصحيحة؛ حقيقة تستقر في القلب قبل أن يكون لها مظهر في دنيا الناس، فيستعلي بها على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله تعالى، يستعلي بها على نفسه أول ما يستعلي، يستعلي بها على شهواته المذلة، ورغباته القاهرة، ومخاوفه ومطامعه من الناس وغير الناس. ومتى استعلى على هذه فلن يملك أحد وسيلة لإذلاله وإخضاعه، فإنما تذل الناس شهواتهم ورغباتهم، ومخاوفهم ومطامعهم.. ومن استعلى عليها فقد استعلى على كل شيء وهذه هي العزة الحقيقية*.
إن العزة ليست عنادا جامحا يستكبر على الحق، ويشمخ بالباطل، وليست طغيانا فاجرا يضرب في عتو وتجبر وإصرار، وليست اندفاعا باغيا يخضع لنزوة ويذل لشهوة، وليست قوة عمياء تبطش بلا حق ولا عدل! إنما العزة استعلاء على شهوة النفس، واستعلاء على القيد والذل.. ثم هي: خضوع لله تعالى وخشوع، وخشيه لله تعالى وتقوى، ومراقبه الله عز وجل في السر والعلن، ومن هذا الخضوع لله تعالى ترتفع الجباه، ومن هذه المراقبة لله تعالى لا تعتني إلا برضاه، ومن هذه الخشية لله تعالى تصمد لكل ما يأباه*.
قال تعالى: [مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا .. (1)] فاطر. هكذا يبين الله تعالى للإنسان مصدر العزة، ليأخذها من الأصل الذي يملك وحده كل العزة، ولا يذهب يطلب بقايا الناس وفضلاتهم وهم مثله طلاب ضعاف! إنه لن يحني رأسه لمخلوق متجبر. ولا لعاصفة طاغية. ولا لحدث جلل. ولا لمصلحة، ولا لقوة من قوى الأرض جميعا. وعلام؟ والعزة لله جميعاً. وليس لأحد منها شيء إلا برضاه. ومن هنا يذكر الكلم الطيب والعمل الصالح: [إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ] ولهذا التعقيب المباشر بعد ذكر الحقيقة الضخمة إشارة إلى أسباب العزة ووسائلها:
1- طلبها من الله وحده. 2- العمل الصالح.3 - القول الطيب.
والذين يمكرون السيئات، يمكرونها طلبا للعزة الكاذبة، والغلبة الموهومة، وقد يبدوا في الظاهر أنهم أعلياء، وأنهم أعزاء، وأنهم أقوياء.. ولكن المكر السيئ قولا وعملا، ليس سبيلا إلى العزة ولو حقق القوة الطاغية الباغية في بعض الأحيان.. لأن نهايته إلى بوار*. قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)] المجادلة.
***
الإسلام دين ثابت راسخ مهما حاول العالم أن يهزه فسيظل ثابت أرسى من الجبال الرواسي، فهو كالنخلة تعطي بلا مقابل وباستمرار.. جذورها ثابتة ولو حاولت كل قوة اقتلاعها من الأرض. تهز الرياح أوراقها يمينا ويسرة. ولكن لا تضرها الرياح شيء فعما قريب تسكن الريح وتظل تلك النخلة باسقة في أعالي السماء. قال تعالى: [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)] إبراهيم.
هكذا ضرب الله تعالى مثل الإسلام كالنخلة الثابتة. وأما الكفر فكالشجرة الكبيرة كثيرة الأوراق تخدع الناظرين ولكن.. جذورها فوق الأرض ليس لها قرار!
منذ كم والإسلام يحارب؟! فلا يوجد دين على الأرض يحارب كدين الإسلام. ولا يوجد إنسان عظيم أساؤوا إليه كإساءتهم برسول الإسلام.
إن أي دين على وجه الأرض إذا حاربه أعداءة يحارب بالسلاح فقط. ولم نسمع أن النصارى مثلا حاربوا اليهود من ناحية القيم والأخلاق..والعكس! فإن ما يحدث للإسلام حجة واضحة أن الإسلام دين قيم وطهر وصلاح.. والأعداء يحقدون لذلك!
فلقد حارب أعداء الإسلام المسلمين بكل الوسائل والطرق، فحاربوه بالسيف والنار والتشويه والسخرية وصد الناس عن الإسلام بادعاءاتهم الكاذبة الضالة ومحاولة إفساد المسلمين وتشكيكهم في دينهم.. وراحوا يوردون لهم جميع الفتن من نساء عرايا.. وأفلام تافهة وذليلة.. وفسق وغناء.. كل ذلك ليصدوا المسلمين عن دينهم وعزتهم!
**********
قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما فتح القدس: " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله "
فلا عزة لنا إلا بتمسكنا بكتاب الله تعالى وسنته نبينا ونهج صحابته الكرام قال تعالى: [فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)] الزخرف. قال تعالى: [لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)] الأنبياء.
فجدير بنا أن نفخر بديننا ونطبقه في واقع الناس بلا خجلٍ أو حرج، قال تعالى: [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ .. (110]آل عمران حتى وإن خالف إسلامنا العادات والتقاليد والأهواء.. فحق لنا أنعلوا فوق كل أولاء. قال تعالى: [وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)] آل عمران. فلا تخدعنا المظاهر ومتاع الدنيا الزائل. قال تعالى: [لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)] آل عمران. قال تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)] محمد. ولا يضرنا استهزائهم وسخريتهم.. فإن الحق ظاهر. قال تعالى: [وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)] يونس قال تعالى: [قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)] الأنعام. لكنهم ضلوا بجهلهم وابتغوا العزة في ضلالاتهم. قال تعالى: [وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)] مريم. فاصبروا.. واثبتوا على الحق. ولا يضركم كيد أعدائكم. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)] المائدة. فلا يغرنا مكر الماكرين وحقد الحاقدين فإن العزة للإسلام. قال تعالى: [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)] المنافقون.
ولن تزال طائفة من المؤمنين ثابتين على الحق لا يضرهم شيئا. قال تعالى: [وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)] الأعراف. قال : ( لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ما يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) خ/2 [ 7022 ]
*******************
قال تعالى: [مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا] فاطر.
فالله تعالى هو من يملك العزة فلا عزة إلا بإرادته تعالى.
فمن أراد العزة.. فليتبع دين الله تعالى.. ودين الله عز وجل: الإسلام. الذي لا يقبل الله تعالى غيره.
قال تعالى: [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)] آل عمران.
________________________________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق