توازن الإسلام في: العلم
العلم من أهم مقومات التمكين للأمة الإسلامية لأنه من المستحيل أن يمكن الله تعالى لأمة جاهلة متخلفة عن ركاب العلم، والناظر إلى القرآن الكريم يرى في وضوح أنه ذاخر بالآيات التي ترفع من شأن العلم وتحث على طلبه وتحصيله فأول آية من كتاب الله تعالى تأمر بالعلم والقراءة، قال تعالى: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)] العلق. ويجعل القرآن الكريم العلم مقابلا للجهل والضلال^ قال تعالى: [ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)]الزمر، والشيء الوحيد الذي أمر الله تعالى رسوله أن يطلب منه الزيادة؛ هو العلم قال تعالى: [ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)]طه، ورتب الله تعالى لطالب العلم عظيم الأجر والثواب ورفع الدرجات.. قال تعالى: [يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)] المجادلة.
لقد جاء الإسلام "منهجا للحياة" ليرقى بهذه الأمة، في جميع المجالات وليحقق الصلاح وعمارة الأرض. ففتح جميع أبواب العلم والمعرفة فيما يعود بنفع للفرد والمجتمع والأمة.. بل وللعالم أجمع.
ولقد دعا الرسول بتعلم العلم الصالح الذي هو أساس العلم وأفضله وذروة سنامه، وبه صلاح الدنيا والآخرة، والباب الرئيسي للوصول إلى جميع العلوم الأخرى .
والعلم يكون أولا.. فلا ينفع أي عمل بدون علم ! وقد بوب البخاري في كتابة: باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى: [فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)] محمد، ومن سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وقال جل ذكره: [إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)] فاطر، وقال تعالى: [وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)] العنكبوت. وقال : (من يرد الله به خيرا يفقهه، وإنما العلم بالتعلم) خ:1
وطلب العلم واجب وفرض على كل مسلم. قال : (طلب العلم فريضة على كل مسلم) صحيح الجامع:2/3913. فعلى المسلم أن يجاهد نفسه في تعلم العلم ويصبر ويبذل ما في طاقته للوصول إلى العلم الصحيح.. الذي يقيم به عباداته. ويتوجب عليه، بعد أن يتعلم أن يعلم الجاهل. قال النبي : (ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم)خ/1
************************
والعلوم الأخرى لها أهميتها وضرورتها في الإسلام، بل يحث ويثيب عليها، متى كانت تنفع الإسلام والمجتمع، وفي حدود الشرع.
• قال ابن عباس –رضي الله عنه- : كان ناس من أسارى يوم بدر ليس لهم فداء، فجعل رسول الله فدائهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، وبذلك شرع الأسارى يعلمون غلمان المدينة "القراءة والكتابة" وكل من يعلم عشرة من الغلمان يفدي نفسه.
فقبول الرسول تعليم "القراءة والكتابة" بدل من الفداء في ذلك الوقت الذي كان فيه بأشد الحاجة إلى المال! يرينا سمو الإسلام في نظرته للعلم والمعرفة، وإزالة الأمية، وليس هذا بعجيب من دين كان أول ما أنزل من كتابه: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)] العلق، واستفاضت فيه نصوص القرآن والسنة في الترغيب في العلم وبيان فضلة ومنزلة العلماء.. وبهذا العمل الجليل يعتبر النبي أول من وضع حجر الأساس في إزالة الأمية، وإشاعة القراءة والكتابة.. وأن السبق في هذا لإسلام^.
• كذلك يفتح الإسلام الباب لتعلم اللغات الأخرى للفائدة، فعن زيد بن ثابت –رضي الله عنه- أن رسول الله أمره أن يتعلم كتاب اليهود –أي لغته- ليقرأه على النبي إذا كتبوا إليه. (خ)، فبلغ ذكاءه وهمته –رضي الله عنه – أن تعلمه في خمسة عشر يوما!! وبهذا الخبر يتضح أن للترجمان مكانة رفيعة في الدولة الإسلامية^ .
وتبقى اللغة العربية الأصل فهي لغة القرآن.. فلا ينبغي الانحياز عنها وتركها واستبدالها بألفاظ أخرى أعجمية! فإن تعلم اللغات الأخرى لا يعني ترك اللغة الأصلية ونبذها!! وإنما تعلم تلك اللغات يكون للفائدة والضرورة فلا أجمل ولا أفضل ولا أرقى من لغتنا العربية.
• وتعلم الحساب والعدد.. له أهميته البالغة في الإسلام، لمعرفة أوقات الصيام والحج والزكاة وتقسيم الميراث والديات. قال تعالى: [وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)] الإسراء.
• كذلك تعلم الهندسة والطب والصناعة والزراعة.. لها مكانتها العالية في الإسلام، فلا تقل أهميتها عن غيرها من العلوم، لما فيها من صلاح وعمارة للأرض، وتوفير وتحقيق الحياة عليها. قال تعالى: [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)] الملك.
• والإسلام يشجع أيضا ويحث على الاختراع والابتكار والاكتشاف.. قال تعالى: [قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)]العنكبوت، فالآية الكريمة تأمر بالسير والتقلب في أرجاء الأرض واكتشافها والبحث عن معجزات نشأتهم، وقال تعالى: [سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)] فصلت، وقال تعالى في مدح المؤمنين: [إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)] آل عمران، كل ذلك يدعوا إلى البحث والاكتشاف والتفكر والتأمل في معجزات الكون، وخلق الإنسان .. فذلك الاكتشاف وذاك التأمل والتفكر ينتج عنه تقوية الإيمان بالله الواحد الأحد، ويدعو إلى صلاح الأرض والانتفاع بخيراتها المكنونة.
• والإسلام.. أصل للحضارات بأنواعها وقد حقق المسلمون في القرون الوسطى أعلى وأفضل الحضارات.
وقد يظن بعض الناس أن الحضارة الغربية انتصرت على الحضارة الإسلامية، ولو عادوا لأي كتاب من كتب التاريخ ليقرؤوا ماذا فعل المسلمون في القرون الوسطى وكيف كان الوحل والطين مخيماً على ايطاليا وفرنسا ولندن .. وما عرفت الحضارة الغربية أصول الحضارة إلا على أيدي المسلمين^.
لقد كان الفتح الإسلامي للأندلس.. منارة حضارية في أوروبا كلها فقد أسهمت المعارف الإسلامية وآدابها في بث روح حضارية جديدة في أوروبا مما كان له بالغ الأثر في نهضتنا المعاصرة، وبالاستفادة من علوم المسلمين تمكن كريستوفر كولومبس من اكتشاف أمريكا.
وقد أقر جوستاف لبون في كتابه حضارة العرب بفضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية فقال: "كان تأثير العرب "يقصد المسلمين" في الغرب عظيمًا وإليهم يرجع الفضل في حضارة أوروبا."
***************
فالعلم إذا مكتسب. قال تعالى في أول آيات أنزلت من القرآن : [عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)]العلق، قال : (إنما العلم بالتعلم).
هذا هو توازن الإسلام. يبيح جميع العلوم النافعة في حدود الشرع الإسلامي، ويحث ويثيب عليها، ويجعل أهمها وأعظمها وبدايتها : العلوم الدينية، ليسمو بالروح قبل سمو الجسد.
يقول المفكر الشهير اشبنكنـز: إن للحضارات دورات فلكية فهى تغرب هنا لتشرق هناك، وإن حضارة أوشكت على الشروق فى أروع صورة، ألا وهى حضارة الإسلام الذى يملك وحده أقوى قوة روحانية عالمية نقية.
__________________________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق