الجمعة، مارس 23، 2012

ما أعظم رحمتك يا الله


مـــا أعظم رحمـــتك يا الله

قال تعالى : [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ... (156)] سورة الأعراف.
لقد وصف الله تعالى نفسه بالرحمة في ابتداء كلامه دون سائر صفاته الكمالية، فافتتحت جميع سور القران بقوله تعالى: [ باسم الله الرحمن الرحيم ] عدا سورة واحده لاشتمالها على القتال.
كذلك اختار الله تعالى سورة الفاتحة نقرأها في صلاتنا كل يوم سبع عشرة مرة على الأقل، وهي السورة الوحيدة البسملة آية منها. وثالث آياتها، قوله تعالى: [ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ] سورة الفاتحة.
ومن رحمة الله بعباده إرسال الرسل وإنزال الكتب والشرائع لتستقيم حياتهم على سنن الرشاد بعيدا عن الضنك والعسر والضيق , قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) ] الأنبياء


قال تعالى: [وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)]النحل.
**
فالله تعالى أرحم الراحمين، يعفو ويغفر ويرحم، وهو سبحانه أرحم بنا من أمهاتنا، بل وأرحم بنا من أنفسنا. قال تعالى: [وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) ] سورة المؤمنون.
قال r، في قصة المرأة التي كانت في السبي مع ابنها.. أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا : لا والله، فقال: [لله أرحم بعباده من هذه بولدها] (صحيح البخاري:5999،صحيح مسلم:2754)
وقال r: [ إن لله مائة رحمة . أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام . فبها يتعاطفون . وبها يتراحمون . وبها تعطف الوحش على ولدها . وأخر الله تسعا وتسعين رحمة . يرحم بها عباده يوم القيامة ] صحيح مسلم:2752 
وقال r: [ لما خلق الله الخلق، كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي] صحيح مسلم:2751
فرحمة الله تعالى لا تعادلها ولا تضاهيها رحمة، لأنها رحمة كاملة من جميع الوجوه لا يعتريها نقص أو خلل، كما أنها رحمة الغني القادر الكريم، الذي لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية
قال تعالى: [وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ .. (133)] الأنعام
**
وقد بين تعالى لعبادة أن رحمته واسعة وشاملة.. قال سبحانه: [رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ .. (147)] الأنعام. وذّكّر أهل المعاصي والذنوب، والذين تجاوزوا الحد في العصيان، برحمة الواسعة، فقال تعالى: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)] الزمر، وحذر تعالى عبادة اليائسين من رحمته. قال تعالى: [ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) ] الحجر
**
فلآيات والأحاديث  التي تدل على عظم رحمة الله تعالى وفضله كثيرة جدا يصعب حصرها هنا.. فمنها:
قال r: [ يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، و أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاؤه سيئة مثلها، أو أغفر..] (صحيح مسلم: 2687)
وقال r: [إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به]. (البخاري/2528)
قال r: [يدني المؤمن يوم القيامة من ربه عز وجل . حتى يضع عليه كنفه . فيقرره بذنوبه . فيقول : هل تعرف ؟ فيقول : أي رب ! أعرف . قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، وإني أغفرها لك اليوم . فيعطى صحيفة حسناته] صحيح مسلم: 2768، كنفُهُ : ستْرُهُ ورحْمتُهُ .
قال r: [ يجيء الناس يوم القيامة ، ناس من المسلمين ، بذنوب أمثال الجبال . فيغفرها الله لهم] صحيح مسلم:2767
**
ومن سعة رحمته تعالى .. أنه عرض التوبة على كل إنسان.
مهما أشرك وكفر .. أو طغى وتجبر .
فإن الرحمة معروضة عليه .. وباب التوبة مفتوح بين يديه .
أتى رجل النبي r، فقال:
[أرأيت من عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئا وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة –أي: صغيرة ولا كبيرة- إلا أتاها ، فهل لذلك من توبة ؟ [قال : فهل أسلمت ؟ قال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله قال : تفعل الخيرات ، وتترك السيئات ، فيجعلهن الله لك خيرات كلهن قال وغدراتي وفجراتي ؟ قال : نعم، قال : الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى ].(صحيح الترغيب للألباني:3164)
ومن كمال فضلة وكرمه تعالى، أنه يجازي التائب بخير ثواب وأعظم جزاء.
فقد أسلم الأصيرم يوم أحد فقاتل حتى استشهد ولم يصل صلاة قط لأنه قتل بعد إسلامه مباشرة ، فشهد له النبي r بالجنة
ففي الحديث: أتى النبي r رجل مقنع بالحديد ، فقال : يا رسول الله ، أقاتل وأسلم ؟ قال : [أسلم ثم قاتل]. فأسلم ثم قاتل فقتل ، فقال رسول الله r: [عمل قليلا وأجر كثيرا] صحيح البخاري: 2808وفي رواية أخرى صحيحة: فذكروه لرسول الله r فقال: [إنه لمن أهل الجنة ].
ومن أعظم ما روى عن رحمة الله تعالى للعاصين التائبين حديث قاتل مائة نفس..
قال r: [إن عبدا قتل تسعة و تسعين نفسا ، ثم عرضت له التوبة ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ؟ فدل على رجل ، وفي رواية : راهب ، فأتاه ، فقال : إني قتلت تسعة و تسعين نفسا ، فهل لي من توبة ؟ قال : بعد قتل تسعة و تسعين نفسا ؟ ‍ قال : فانتضى سيفه فقتله به ، فاكمل به مائة ، ثم عرضت له التوبة ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ؟ فدل على رجل [ عالم ] ، فأتاه فقال : إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة ؟ فقال : و من يحول بينك و بين التوبة ؟ أخرج من القرية الخبيثة التي أنت فيها إلى القرية الصالحة قرية كذا و كذا ، [ فإن بها أناسا يعبدون الله ] ، فاعبد ربك [ معهم ] فيها ، [ ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء ] ، قال : فخرج إلى القرية الصالحة ، فعرض له أجله في [ بعض ] الطريق ، [ فناء بصدره نحوها ] ، قال : فاختصمت فيه ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب ، قال : فقال أبليس : أنا أولى به ، إنه لم يعصني ساعة قط ‍ قال : فقالت ملائكة الرحمة : إنه خرج تائبا مقبلا بقلبه إلى الله ، و قالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيرا قط ] - فبعث الله عز وجل ملكا [ في صورة آدمي ] فاختصموا إليه - قال : فقال : انظروا إلى القريتين كان أقرب إليه فألحقوه بأهلها ، [ فأوحى الله إلى هذه أن تقربي ، و أوحى إلى هذه أن تباعدي ] ، [ فقاسوه ، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد [ بشبر ] ، فقبضته ملائكة الرحمة ] [ فغفر له ] 0السلسلة الصحيحة للألباني: 2640، والشاهد من الحديث: أن الله تعالى قبل توبته برحمته وكرمه، بعدما سعى لقتل مائة نفس. بل وغير سبحانه السنن الثابتة على الأرض رحمه به وفضلا.
**
قال r: [ لن يدخل أحدا عمله الجنة . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة ، فسددوا وقاربوا ، ولا يتمنين أحدكم الموت : إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا ، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب] صحيح البخاري: 5673
"وهذا الحديث يدل على أن دخول الجنة لا يكون بمجرد العمل –وحده- بل لولا رحمة الله وفضله لما دخل الجنة أحد؛ لأن الأعمال مهما بلغت لا تُقاوِم نِعَمَ اللهِ التي أنعم بها على عباده؛ ولكن الأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة، قال الله تعالى: [ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ]، النحل: 32. وقال تعالى: [وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ]، الأعراف: 43. فالباء الواردة في الآيات هي باء السببية، أي أن الله سبحانه وتعالى يدخل عباده المؤمنين الجنة بسبب أعمالهم". باختصار من: [رسالة ابن تيمية في دخول الجنة (ص: 47 - 50)]. وينظر: [ رسالة ابن تيمية في دخول الجنة، مفتاح دار السعادة ( 1/8، 10 )، ومدارج السالكين ( 1/94، 96 ) لابن القيم، فتح الباري لابن حجر (11/294 – 297]
وكلما زاد المسلم من الطاعات والأعمال الصالحة، والتقرب إلى الله تعالى، ومراقبته في السر والعلن، زاد قرب الله تعالى له ورحمته وكرمه بعبده المحسن.

قال تعالى: [إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)] سورة الأعراف.

**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق