أعزف آهاتي..وأترنم بألحاني النازفة.. في بحر دموعي..
عندما
خلوت بنفسي في غرفتي الصغيرة، وفي ظلام الليل الحالك، وفي سكونٍ وهدوء..
جلت
بخاطري .. وتفكرت في حالي.. وفي حياتي ومصيري.. فسألت نفسي: لما خلقت؟ لما أعطاني
الله تعالى كل هذه النعم والمميزات؟! العقل السمع البصر..
لما سخر
الله تعالى لي جميع ما في السماوات والأرض؟! بل لما خلق الله هذه الحياة، وأودع
فيها الجمال البارع والتناسق التام. شمسٌ وقمر، زرعٌ وثمر، نهرٌ وبحر، ليلٌ
ونهار؟!
الكل في موكب منتظم لا يختلف ولا يتأخر!
وأنا واحد في هذا الكون البديع الفسيح.. الذي سخره الله
تعالى لي.
فهل كل هذا.. لأعيش كما تعيش البهائم؟! هل سأعيش هنا
وأنتهي؟! هل كل هذا الكون خلق باطلا؟! تعالى الله وتقدس عن ذلك.
حار فكري.. وتتابعت نبضات قلبي.. واتجهت ببصري إلى
نافذة الغرفة ورحت أتأمل السماء المظلمة، في دجى الليل الحالك لعلي أجد السر!!
لمع لي نجمٌ من بعيد يتلألأ نورا، ويترنم على أوتار هادئة
رقيقة بصوت خافتٍ يشق سكون الليل..
وقال تعالى: [أَفَحَسِبْتُمْ
أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)] سورة المؤمنون.
حينها..
حضر عقلي الشارد وفقت من سكرتي .
وبدأت...
أعزف آهاتي.. وأترنم بألحاني.. النازفة في بحر دموعي
يا أسفى على عمري الضائع، يا حسرتي على أيام اللهو والطرب،
يا ندامتي على تفريطي في فروضي وواجباتي..
كم كنت غافلا.. ضائعا لاهيا مفرطا. أتقلب من معصية لأخرى،
ومن تفريط لتفريط. قد أغواني الشيطان وأغرتني الدنيا بشهواتها وملذاتها وخانتني
نفسي الأمارة بالسوء.
كم سهرت الليالي .. وتابعت الأيام.. في عصيان الملك
العظيم المنان..
ولكن لم يمنعني ولم يحرمني من نعمه طرفة عين!!
بل لازال يغدق ويفيض عليّ بالنعم.
ويسترني ويحفظني من النقم.
ألا يستحق هذا المنعم العظيم إلى الرجوع والإنابة
والتوبة؟!
ماذا
قدمت لنفسي؟! هل لدي أعمالاً تنقذني من عذاب الله ؟! هل أعمالي تؤهلني للوقوف بين
يدي الملك الجبار للعرض والحساب؟! هل لدي إيمان ينجيني ويقيني فتنه الموت وعذاب
القبر؟!
فمهما
عشت فلابد لي من نهاية، لأسأل عن كل دقيقة وثانية، وعن كل صغيرة وكبيرة، عملتها في
هذه الحياة الدنيئة، فهل أعددت للسؤال جوابا؟
قال تعالى: [إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)] الإسراء.
ماذا
أقول لربي إذا ما قال لي يوماً أما استحييت تعصيني!!
وتخفي
الذنب عن خلقي وبالعصيان تأتيني !! فما قولي له لما يعاتبني ويقصيني!!
قال r: [لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه
حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه ؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟
وفيم أنفقه؟ وما ذا عمل فيم علم] (صحيح الجامع2/ 7299.)
كفى يا
نفس أملا، كفاك توهما، استرجعي وأحضري عقلك وفكرك واقرئي قول الله تعالى:
[وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ
الْأَوْفَى (41)]النجم.
فيا
ترى! ماذا سوف ترين من أعمالك؟
هل
الصيام والصلاة والصدقة.. أم التفريط والضياع والغفلة...
قال
تعالى: [يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ
إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)]الانشقاق.
فعلى
حسب جهدك ومشقتك .. ستلاقي أجرك، وعلى حسب غفلتك ولهوك ستلاقي وزرك.
إنما
سيوفيك ويعطيك أجرك كاملا.
ولكني
لست أخاف ظلما منك يا رب، فأنت الحكم العدل الرحيم.. إني أطلب منك سبحانك أن تعاملني
برحمتك وعفوك.
أرجوك
يا رب.. فإن سيئاتي تؤهلني للوقوع في قعر
الجحيم.
[رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ
غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)]الفرقان.
فعفوك
ورحمتك أوسع لي ومهما بلغت ذنوبي فعفوك أعلى وأعظم.
قال r في الحديث
القدسي: [قال
الله تبارك وتعالى: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا ابن آدم لو
بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم
لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.) ] (صححه الألباني في صحيح الترمذي/ الصفحة أو الرقم: 3540)
أخاطبك
نفسي التي بين جنبيّ كيف ستواجهين "الموت" نعم"الموت"، تلك
الكلمة التي طالما هربت منها، و أشغلت فكرك عن تدبرها، وألهيت نفسك عند تذكرها،
فقد آن الأوان أن تتأمليها!
خيلي
لنفسك وأنت في ساعة السكرة ماذا تتمنين؟! ساعة عشر دقائق. لماذا؟ كي تتداركي
عمرك!! كي تتوبي!! أم تردي المظالم أم توصي!! قال تعالى: [حَتَّى
إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99)
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ .. (100)]المؤمنون.
كلها دقائق وتغادري الحياة والمال والأهل والجاه. أين
ستهربين؟؟ أين تذهبين؟؟
أين كنت يا نفس طوال هذا العمر !؟ لما وضعت نفسك في هذا
المأزق الخطير؟!
انتهى كل شيء انتهى
العمل انتهى مقامك في الدنيا سترحلين إلى دار الجزاء
هل أنتِ مستعدة يا
نفس للحساب؟
إذاً
أنت لازلت في الأمنية فتوبي واعملي!! والجئي لرحمه ربك وعفوه ومغفرته.
أنت مازلت في الدنيا
دار العمل وقد أنعم الله عليك بطول المقام فيها فاغتنمي حياتك؛ اغتنميها قبل فوات
الأوان، والله إن العمر دقائق معدودة وإن الأمر عظيم.
لقد أنعم الله عليا
بنعمة العقل.. أليست كافيه لأفكر وأحدد مصيري؟! فما فائدة عقلي إن استعملته أداه
كما يستعمله الحيوان؟!
أليست
كل أسباب الهداية ميسرة لي؟ لقد منحني الله تعالى عمراً وصحة ومالا.. ؟!
فما
حجتي إذاً عند السؤال؟
قال r:
[اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل
هرمك وغناك قبل فقرك] (صحيح الجامع1/ 1077)
أطلب
منك يا نفسي.أرجوك. أنقذيني. لا تكوني سبباً في هلاكي. توبي. ارجعي .اعزمي على
العودة والسير على الصراط المستقيم..
**
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق