الأحد، أبريل 17، 2011

توازن الإسلام في الإيمان بالكتب والرسل


توازن الإسلام في: الإيمان بالكتب والرسل

لقد خلق الله تعالى الناس جميعا، وسخر لهم ما في السماوات والأرض، وصورهم فأحسن صورهم، وفضلهم على كثير ممن خلق.. 
خلقهم لمهمة عظمى، وهدف كريم، فكان لا بد من إرسال الرسل بالكتب ليعلموهم ويرشدوهم لهذه المهمة الكبرى، التي هي عبادة الله وحده، والخضوع والانقياد والتسليم له..
والغاية من إرسال الرسل، قول الله تعالى: [رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166)] النساء.
إن دين الإسلام يقر بأن جميع الرسل مرسله من الله عز وجل، ويجب توقيرهم ونصرتهم وحبهم والصلاة عليهم جميعا، ورفعهم لأعلى مقامات التوقير والاحترام، والإيمان الجازم بأنهم وفوا وبلغوا ما أرسلوا به من عند الله عز وجل على أحسن وجه. بلا تفرقة بين أحد منهم، قال تعالى: [لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ...(285) ] البقرة. أي لا نفرق بينهم في الإيمان، بل نؤمن أنهم جميعاً رسل من عند الله حقا، وأن الشريعة المتبعة هي شريعة خاتم الرسل –محمد -



والله تعالى يأمر نبيه  أن يعلن هذه الحقيقة، ويعلن إيمان أمته بجميع الرسالات واحترامها لجميع الرسل. قال تعالى: [قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)] البقرة.
هذا هو الإسلام في سعته وشموله لكل الرسالات قبله، وفي ولائه لكافة الرسل وفي توحيده لدين الله تعالى ورجعه جميع الرسالات إلى أصلها الواحد، والإيمان بها جملة كما أرادها الله تعالى لعبادة*.
فعقيدة المسلم: الإيمان بالله الواحد الذي أرسل جميع الرسل، واختارهم على جميع البشر؛ ليحملوا أمانة رسالة توحيد الله تعالى بالعبادة -على اختلاف مناهجهم وشرائعهم بحسب أزمنتهم، وأقوامهم. قال : (الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد) خ/2 [ 3259 ]
نظرة الإسلام المتوازنة لنبوة:
*أن النبوة مبناها على الاصطفاء والاختيار من الله تعالى، لا على الاكتساب والموروثات والدم!
*أن جميع الرسل "صلوات الله عليهم" بشر، يأكلون ويشربون ويتزوجون... قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)] الفرقان. وقال تعالى: [وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) ] الرعد.
*تقتصر دعوة الرسل على التبليغ من الله تعالى فقط، قال تعالى: [مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)] المائدة. فلا يعلمون الغيب، ولا يملكون الضر والنفع إلا بإذن الله تعالى، وليس في أيديهم إظهار المعجزات والخوارق إلا بأمر من الله عز وجل.


وحكمة الله تعالى البالغة تظهر جلية في اختيار الرسل من نفس طبيعة البشر، ليتحقق منهج الله تعالى على صورة بشرية يستطيع أن يطبقها البشر، فلا تكون لهم الحجة بعدم تنفيذ شريعة الله تعالى
كذلك ليكون الرسول منهج حياة يمشي على الأرض لدية نفس فطرة البشر، ويعيش كما يعيش البشر لتتفق دعوته وأسلوب حياته مع جميع البشر.
*الأنبياء والرسل لهم مكانتهم العالية، ولهم حقهم من التبجيل والتوقير والنصر والإتباع.. ولكن وسطية الإسلام تدعو بعدم الغلو فيهم وإضافة بعض صفات الإلوهية لهم. قال تعالى: [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)] المائدة، وقال تعالى: [اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)] التوبة، قال تعالى: [قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)] الكهف.
والغلو هو: مجاوزة الحد والإفراط فيه، بحيث يضيف عليهم من الصفات التي هي من خصائص الله تعالى، ويعتقد أنهم يجلبون خيرا، أو يدفعون شرا.
****************************
ويتحقق التوازن في: الإيمان بالرسل.
1- الإيمان بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولا برسالة التوحيد، قال تعالى: [وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ..(36)] النحل. 
2- الإيمان بأن رسالتهم حق من عند الله تعالى، فمن كفر بواحد منهم كمن كفر بهم جميعا، قال تعالى: [كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)] الشعراء. وقوم نوح عليه السلام – لم يكذبوا إلا نبيهم فقط. فلما كان إنكارهم لأصل الرسالة –وهي توحيد الله تعالى بالعبادة – وهي الأصل لكل رسالة سماوية، كانوا بمثابة من كذب جميع المرسلين.
 3- الإيمان المجمل بجميع الرسل سواء علمنا باسمه أو لم نعلم. قال تعالى: [إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)] النساء.
4- تصديق ما صح من أخبارهم.
5- العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خاتم النبيين والمرسلين.
6- الإيمان الجازم أن رسالة - محمد - كافه لناس أجمعين وعامة لثقلين. قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)] سبأ. وقال تعالى: [تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)] الفرقان. قال : (كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة) خ 328)/1.
ولتحقيق التوازن في الإيمان بالرسول محمد :
1- أن نعلم معنى الشهادة [شهادة أن محمد رسول الله] ومعناها: تصديقه فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع.
2- أن لا يعارض قوله بأي قول آخر، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)] الحجرات. فلن يكون الإسلام هو النطق بالشهادتين فحسب، دون أن يتبع الشهادتين معناها وحقيقتها، وهو الالتزام بالمنهج الذي جاء به محمد  من عند ربه للحياة، وإتباع الشريعة التي أرسله الله بها، والتحاكم إلى الكتاب الذي حمله إلى العباد.
3- تقديم محبته على جميع الخلق، قال : (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) البخاري1/15
4- الاعتقاد الجازم أنه خاتم النبيين، وأنه أفضل الرسل، وأن شريعته أكمل وآخر الشرائع، وقد نسخت جميع الشرائع التي قبله. قال تعالى: [مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)] الأحزاب. قال : (إنه لا نبي بعدي) خ/2 [ 3268 ].
5- موالاته ونصرته، وإنزاله منزلته، ونشر شريعته، والذب عن سنته.
ويعتقد أهل السنة والجماعة، أن الصحابة أجمعين، أفضل الأمة بعد نبيها  ويدينون لله تعالى بحبهم، بلا إفراط ولا تفريط. ويتبرؤون من طريقة الروافض والخوارج.. قال تعالى: [وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)] التوبة، قال النبي : ( لا تسبوا أصحابي فلوا أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) خ: 2/3470
ويتحقق التوازن في فضل الصحابة –رضوان الله عليهم- :
1-أن نحبهم جميعا بلا استثناء، ولا نفرط في حب أحد منهم.
2- أن نبغض في الله تعالى من أبغضهم.
3- الاعتقاد بأنهم خير هذه الأمة، وأفضلها على الإطلاق، وأن الله تعالى رضي عنهم ورضوا عنه.
4- أنهم عدول ثقات أثبات.لا يبحث عن عدالتهم.
5- سلامة ألسنتنا وقلوبنا عليهم.
**********************
هذا هو توازن الإسلام في الإيمان بالرسل: أن نؤمن بجميع الرسل وأنهم جميعا بشر، لهم نفس طبيعة وخصائص البشر، وأن الرسول –محمد - هو آخر وخاتم النبيين وأفضلهم، وأن رسالته عامة لثقلين، وأن الإيمان المتبع يكون له، وأن قوله  مقدم على جميع الأقوال والأحكام، وأن صحابته جميعا هم أفضل الأمة بعد نبيها، بدون غلوا أو تفريط في حب أحد منهم.
_____________________________________________




ويكون التوازن في الإيمان بالكتب:


أن نؤمن أن الله تعالى أرسل جميع الرسل برسالة واحدة هي رسالة التوحيد –توحيد الله بالعبادة- على اختلاف الشرائع والمناهج، فأنزل الله تعالى على كل رسول كتاب ومنهج وحجة ومعجزة.. 


ولتحقيق التوازن في الإيمان بالكتب السماوية يجب:
1-أن نؤمن أن جميعها منزل من عند الله عز وجل.
2- أن نؤمن بجميع الكتب والآيات التي أنزلت على جميع الرسل، سواء علمنا باسمها أو لم نعلم، قال تعالى: [آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ .. (285) ] البقرة.
3- تصديق ما صح من أخبار تلك الكتب.
4- الإيمان الجازم أن القرآن هو أفضل وأكمل وآخر الكتب فهو المهيمن. قال تعالى: [وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ(48)] المائدة
فالقرآن أخر الكتب المنزلة فهو كتاب الله تعالى المعجز: معجز في فصاحته وبلاغته، معجز في نظمه، معجز في كمال رسالته...
جاء القرآن ليكون منهج حياة لناس أجمعين، ليطبق في الأرض، لا ليتعبد به في المحراب فقط! جاء ليسمو بالأرواح، ويطهر الأنفس، وينير القلوب، ويهدي الحيارى، ويرشد الضالين، ويسهل وييسر ويبين طريق الحق.
قال تعالى: [وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)] الإسراء.
جاء القرآن في أجمل الحلل، ليعلم الناس الآداب والقيم، وينشر الأخلاق والشيم، بأنقى وأزكى وأطهر العبارات والجمل، وفي غاية الروعة والإبداع والتناسق والتوازن. ليتمتع القارئ بلا كلل أو ملل. قال تعالى: [إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) الإسراء.
جاء القرآن .. ليرفع الهمم إلى القمم، جاء نبراساً للحياة والأمم، جاء ليدعوا إلى الهدى وصالح العمل، ويعطي السكون والرحمة والأمل، لينعم الناس في ظله وتقر به أعين ومقل.
قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)] يونس.
ومن أراد أن يعرف القرآن، فليتعلمه ويقرأه جيدا، فلن يجد فيه خطأ واحدا سواءً في الأحكام والشرائع أو تناقض واختلاف، أو حتى خطأ في اللفظ أو التشكيل.. رغم كثرة وعداوة المحاربين له منذ نزل! وليقارنه بالكتب المحرفة التي من صنع البشر، ليقارن كلام رب البشر بكلام البشر !! قال تعالى: [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)] النساء.
فهذا القرآن العظيم لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله أبدا، فهو يتحدى الثقلين بمعجزاته ودلائله وآياته وبحقائقه الشاملة الكاملة .. ومن حقائقه:
حقيقة التوحيد والإلوهية، حقيقة خلق الإنسان، حقيقة الدنيا والآخرة، حقيقة البعث والنشور، حقيقة الكون وما يجري فيه، حقيقة القيم التي ينبغي أن تحكم حياة الإنسان في الأرض، حقيقة المهمة التي خلق الإنسان من أجلها، حقيقة الإيمان، حقيقة المعركة القائمة بين الإيمان والكفر، حقيقة السنن الربانية التي تحكم حياة البشر، حقيقة العبادة، وغيرها الكثير الكثير...
ففي أي كتاب جمع مثل هذه الحقائق كلها، بالتنسيق الذي عرض به في هذا الكتاب المعجز!! وبحجم هذا الكتاب الصغير الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان على مدى العصور والأزمان.. قال تعالى: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)] الحجر. فلم ولن يتغير منه حرف واحد منذ نزل إلى قيام الساعة. قال تعالى: [وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)] يونس. وقال تعالى: [قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)] الإسراء.
فالقرآن معجزة باقية لا تنتهي حتى تقوم الساعة، قال تعالى: [سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)] فصلت. لذلك كان هذا الكتاب العظيم هو آخر وخاتم الكتب، وأفضلها وأكملها وأعظمها، بل وناسخ لما قبلها من الكتب.
وماذا عن التوراة والإنجيل؟
هما من كتب الله تعالى المنزلة على -موسى وعيسى عليهما السلام- وقد أمر الله تعالى المسلمين الإيمان والإقرار بهما، ولكن على حقيقتهما التي أنزلت بها دون تحريف ولا تبديل ولا تغير.. وقد غير وحرف أهل الكتاب "اليهود والنصارى" كتبهم وأضافوا إليها ما ليس فيها، وحذفوا منها وزادوا عليها من الأحكام والقوانين والأوضاع وكلام البشر! فقد كان في القرون الماضية وما زال كلما ظهر عالم أو حبر منهم نقص وزاد وغير ووضع فيها! حتى أصحبت قابلة دائما لتغير والتبديل والتطوير بحسب الزمان والمكان !! وأصبحت كتبا كثيرة بعد أن كانت كتابا واحدا.
قال تعالى: [فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)] البقرة.
فلم تعد كتبهم الآن مرجعا حقيقيا، ولا كتابا سماويا خالصا، لأنها اختلطت بخرافات وأحكام البشر.. ولم تعد تلك الكتب بالنور والهدى، بل أصبح معظمها خرافات وأقوال كاذبة، والأدهى من ذلك إضافة بعض الكلمات البذيئة والأحكام الضالة، وطعن في الرسل. قال تعالى عن اليهود [مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)] النساء. وقال تعالى عن النصارى [وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)] المائدة.
ومن الجدير بالذكر أن الله تعالى أمر "اليهود والنصارى" بأن يقيموا التوراة والإنجيل! قال تعالى: [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)] المائدة. فالله سبحانه يأمرهم أن يؤمنوا بكتبهم المنزلة-بدون تحريف أو تأويل- فإنهم لو امنوا فعلا بها لجدير بهم أن يؤمنوا بالقرآن الذي جاء مصدقا لما في كتبهم، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ ...(47)] النساء، وقال تعالى: [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)] البقرة، وقال تعالى: [الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)]الأعراف.
فقد كانت رسالة –محمد  - مكتوبة في كتبهم فحرفوها واستبدلوها! قال تعالى: [وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)] البقرة، وقد أمرهم الله تعالى أن يتحاكموا إلى الأحكام التي في كتبهم التي مكتوب فيها رسالة محمد ، فلما جاءت رسالة محمد ، طغى عليهم الحقد والحسد، وكفروا به وأنكروا رسالته، قال تعالى: [مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)] البقرة، قال تعالى: [وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)] البقرة، وقال تعالى: [وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)] البقرة
********************************
فتوازن الإسلام في الإيمان بالكتب: أن نؤمن بجميع الكتب المنزلة من عند الله تعالى على رسله على حقيقتها التي أنزلت عليها دون تحريف ولا تبديل ولا تغير. كذلك نؤمن بأن آخر الكتب القرآن الذي أنزل على رسول الله محمد  وهو خاتم الكتب والرسالات السماوية وهو الكتاب المتبع والمنهج المهيمن والناسخ لجميع الشرائع قبله.
**************
فالرسول محمد  هو آخر الرسل، والقرآن هو آخر الكتب. قال تعالى: [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) ] التوبة. 
والجميع سيرجع إلى الله تعالى ليحكم بينهم بالحق، وليظهر الحق، ولن ينجو إلا أصحاب الحق. قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)] الحج


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق