الأحد، أبريل 17، 2011

توازن الإسلام في الإيمان بالقدر


توازن الإسلام في: الإيمان بالقدر

القدر يتضمن جزء كبير من عقيدة المسلم، حيث يربطه دائما بالله عز وجل الذي بيده النفع والضر، ويقر في قلبه حقيقة حكمته تعالى وتدبيره، قال تعالى: [إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)] القمر.
*كل شيء.. كل صغير وكبير.. كل ناطق وكل صامت.. كل متحرك وكل ساكن.. كل ماضي وكل حاضر.. كل معلوم وكل مجهول.. كل شيء.. مخلوق بقدر.
قدر: يحدد حقيقته، ويحدد صفته، ويحدد مقداره، ويحدد زمانه، ويحدد مكانه، ويحدد ارتباطه بسائر ما حوله من أشياء، وتأثيره في كيان هذا الوجود. قال تعالى: [وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)] الفرقان.
إن تركيب هذا الكون وتركيب كل شيء فيه، لما يدعوا إلى الدهشة حقا !! وينفي فكرة المصادفة نفيا باتا، ويُظهر التقدير الدقيق الذي يعجز البشر عن تتبع مظاهرة في جانب واحد من جوانب هذا الكون الكبير.. 
والقول بأن الكون صدفة! لا يصدر من إنسان تقلب بين أرجاء الأرض، وعلم بخبر السماء، ولا يصدر من إنسان يتتبع آثار الإبداع والجمال والتناسق في الأرض والسماء.. وإنما يصدر من عقل صغير محدود لا يدرك ما حوله*!!



فالصدفة توحي بالفجأة، كقول: قابلت هذا الشخص صدفة- أي بدون علم ولا موعد.. فهل كل هذا الكون الهائل العظيم .. جاء فجأة! بدون تقدير وبدون علم ؟! هل الصدفة تقلب الليل والنهار وتجري البحار والأنهار وتبدع الثمار والأزهار! وبهذا الاستمرار!
كلا.. لا يوجد شيء من قبل المصادفة العمياء! بل كل شيء في هذا الكون بقدر*. 
لذلك كان من عقيدة المسلم، بل من شروط إيمانه: الإيمان بالقدر. ومقره القلب، بأن يعتقد أن كل ما في الكون يجري بتقدير الله تعالى وأمره وحكمته وعلمه، ولا يخرج شيء عن قدر الله تعالى. قال تعالى: [وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)] الرعد.
والإيمان بالقدر يجعل القلب مطمئنا واثقا، ويظهر حقيقة الكون عظيما هائلا، بل ويجعل الإنسان كبيرا.. كبيرا في تصوراته وأعماله واعتقاده .. كبيرا بعقله وفكره وانجازاته.. كبيرا عن الخرافات والباطل الذي يحاول الناس أن يصلوا به إلى حقيقة سر هذا الكون.
الإيمان بالقدر.. يربي النفس على الصبر والقوة والاحتمال، ويحارب اليأس والقنوط والكسل، ويشجع على الإقدام والعمل، ويخفف حدة المصائب المؤلمة، ويريح النفس ويطمئنها..
الإيمان بالقدر.. يختصر الطريق.. ويوصل مباشرة إلى الله تعالى. ويوحد مصدر القوة والقدرة المطلقة، ويربط القلب بأصل القدرة ومصدرها، فلا يتشتت القلب والفكر.. ولا يتذلل للمخلوقين لطلب النفع أو دفع الضر، بل يتوجه مباشرة للخالق القادر على كل شيء، الحكيم الرحيم العدل.. قال تعالى: [وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)] يونس. 
الإيمان بالقدر.. يعطي الراحة والاطمئنان والأمان.. عندما يثق المسلم أن الكون كله قائم على القدرة والعدل.. فلن يصله إلا ما هو مقدر له.. فلا يتهافت ويتعلق بغيره، بل يجعل تعلقه كله ورجاءه بالله تعالى، فكل إنسان مقدر له عمله ورزقه وأجله.. لا يسلبها أحدا منه، قال تعالى: [قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)] التوبة، قال : (احفظ الله؛ يحفظك، احفظ الله؛ تجده تجاهك، إذا سألت؛ فاسأل الله، وإذا استعنت؛ فاستعن بالله، واعلم أن الأمة؛ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف )-2561-صحيح الترمذي للألباني.  قال : (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا) السلسلة الصحيحة:5/497.
*************
التوازن في الإيمان بالقدر:
*الإيمان الجازم الشامل أن الله تعالى قادر على كل شيء، ويعلم كل شيء، وخلق كل شيء بقدرته البالغة. قال تعالى: [تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)] الملك.
*الإيمان بأن جميع أفعال العباد بقضاء وقدر، داخلة في قوله تعالى: [اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)] الزمر.
(قالت بعض الطوائف: أن للإنسان مشيئة واختيار وقدرة مطلقة، والإنسان هو الذي يخلق أفعاله، استقلالا، ولا رابطة بينه وبين مشيئة الله تعالى، وينكرون سبق العلم والكتابة، وأن الأمر أُلف لا يعلم الله تعالى به !! وقالت طوائف أخرى: الإنسان مسير مطلقا، لا مشيئة له ولا اختيار !!
وعقيدة الإسلام المتوازنة تقول: أن كل شيء بقضاء الله تعالى وأمره، وأن للإنسان قدره على أفعاله ومشيئة واختيار، والله تعالى هو الخالق لقدراته، فلا يشاء الإنسان إلا أن يشاء الله تعالى، والله عز وجل خالق أفعاله، فأفعال الإنسان تنسب إلى الله تعالى خلقا وإيجادا، وتنسب إلى الإنسان فعلا واكتسابا، فالإنسان مسير على ما كتب وقدر له في الأزل، ومخير بفعله.)
*الإيمان بإرادة الله تعالى الكونية والشرعية:
فالإرادة الكونية القدرية: هي مرادفة للمشيئة لا يخرج منها شيء.
والإرادة الشرعية الأمرية الدينية: هي مرادفة للمحبة ، لما يحبه الله تعالى ويرضاه.
والفرق بينهما:
1-الإرادة الكونية لا تستلزم المحبة، والإرادة الشرعية تستلزم المحبة.
2- الإرادة الكونية لا بد أن تقع إذا أرادها الله تعالى، والإرادة الشرعية من الممكن أن تقع أو لا تقع.
3- الإرادة الكونية مراده لغيرها لا لذاتها، والإرادة الشرعية مراده لذاتها.
والواجب على المسلم أن يعتقد الاعتقاد الجازم أن لله تعالى في جميع أفعاله وإراداته وأقداره.. حكم جلية وغايات ومصالح عظيمة، سواء علمنا بها أو لم نعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق